التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوار صحفي مع الكاتبة وسام بدري

الأستاذة وسام بدري اسم يرتبط بالشغف والمسؤولية معًا؛ فهي المعلمة التي خرجت من مقاعد الدراسة لتحمل رسالة أوسع من حدود الصفوف، والكاتبة والمدربة التي رأت أن الخبرة لا تكتمل إلا بمشاركتها. عبر منصتها “معلمينيا”، سعت إلى أن تمنح المعلمين الجدد دليلاً عمليًا يرافقهم في ميدانهم، وأن تفتح أمامهم فضاءً يتجاوز حدود النظريات الجامعية إلى مهارات واقعية. في هذا الحوار، نقترب من الإنسانة قبل المسميات، ومن التجربة التي حولت التحدي إلى مبادرة رائدة في المشهد التربوي الجزائري والعربي
1. بداية، من هي [وسام بدري] الإنسانة قبل أن تكون أستاذة ومؤلفة ومدربة؟
كنتُ منذ طفولتي فتاة نشيطة، مفعمة بالطاقة والاجتهاد. واليوم، أنا امرأة طموحة تسعى لصناعة أثر إيجابي في مجتمعها، تؤمن أن لكل إنسان رسالة ثمينة عليه أن يوصلها. أنتمي إلى عائلة جزائرية بسيطة، لكنها غرست فيّ القيم التي جعلتني أؤمن أن البساطة لا تمنع من حمل أحلام كبيرة.
2. تخرجتِ من المدرسة العليا للأساتذة، واليوم أنتِ أستاذة اجتماعيات في التعليم المتوسط، كيف تصفين انتقالك من مقاعد التكوين إلى ميدان التعليم الفعلي؟
كان ذلك انتقالاً محورياً بالفعل، فمن مرحلة الطالبة الحالمة إلى مرحلة المعلمة الواعية بمسؤوليتها. رغم أن التدريس كان النتيجة الطبيعية لدراستي بالمدرسة العليا، إلا أن حياتي في المرحلتين بدت مختلفة تماماً. مرحلة الدراسة حملت معها الأحلام والشغف، أما اليوم فأنا أكثر نضجاً وإدراكاً لرسالتي. باختصار: انتقلتُ من طالبة تتعلم إلى أستاذة تُعلّم.
3. كيف وُلدت فكرة منصتك الرقمية “معلمينيا”؟ وما الذي يميزها عن المبادرات التدريبية الأخرى في الساحة العربية؟
يُقال إن الإنجازات المؤثرة تولد من رحم المعاناة، وهذا ما حدث مع "معلمينيا". بعد تخرجي مباشرة، صدمتني الفجوة بين ما تعلمته في الجامعة وما واجهته داخل الصف. وجدت أن النظريات التي درستها لا تكفي، وأن المعلم الجديد يحتاج إلى دليل عملي يرافقه. لم أجد هذا الدليل حينها، فبدأت أبحث وأتعلّم بنفسي، حتى بنيت خبرة ميدانية حقيقية. وعندما رأيت أثر ذلك عليّ، رغبت أن أشارك به الأجيال الجديدة. "معلمينيا" هي فضاء مخصص للمعلمين، يمدّهم بالمعرفة العملية ويمنحهم أدوات واقعية ليحترفوا التدريس ويستمتعوا به. ما يميزها أنها مبادرة سبّاقة في الجزائر، تركز على الجانب العملي في الصفوف، لا على النظريات الجامدة المنقولة من الكتب.
4. قدّمتِ عدة دورات تدريبية وكتبتِ كتبًا إلكترونية للمعلمين، ما أكثر مهارة أو موضوع شعرتِ أن المعلمين يحتاجون إليه بشكل ملحّ؟
أكثر ما لاحظت أن المعلمين يحتاجون إليه هو فن الإدارة الصفية. وهذا أمر طبيعي لسببين: أولاً، قلة الخبرة العملية؛ فإدارة الصف لا تُكتسب إلا بالممارسة الفعلية، وهذا نفتقده في جامعاتنا. وثانياً، الاكتظاظ الصفي الذي أصبح معضلة حقيقية؛ فالمعلم مهما كان متمكناً يجد نفسه في مواجهة صعبة أمام أعداد كبيرة من التلاميذ، مع مناهج طويلة وكثيفة، مما يجعل ضبط الصف تحدياً يومياً.
5. بصفتكِ صانعة محتوى لمجتمع واسع من المعلّمين العرب، ما أبرز التحديات التي تواجهك في بناء هذا المحتوى وتقديمه؟
المحتوى التعليمي عموماً هو الأقل انتشاراً، لأنه لا يجذب إلا الفئة الواعية الراغبة في التعلم، وهذه الفئة قليلة للأسف. لذلك يظل التحدي الأكبر هو قلة التفاعل رغم قيمة الجهد المبذول. كما أن جمهوري محدد جداً: المعلمون فقط، مما يجعلني في بحث دائم عن طرق وأساليب تناسبهم وتشجعهم على التفاعل. وإلى جانب ذلك، صناعة المحتوى تستهلك وقتاً وجهداً ومالاً، ولم تكن رحلتي معه سهلة أبداً. لكنني أعتبر هذه التحديات جزءاً من متعة الطريق، فكل عقبة تمنح الإنجاز طعماً أعمق وقيمة أكبر.
6. بين دورك كأستاذة، ومؤلفة، ومدربة، وصانعة محتوى، كيف توفقين بين هذه الأدوار المختلفة دون أن يطغى أحدها على الآخر؟
بصراحة، لم أتمكن بعد من التوفيق التام، لكنني أحاول دوماً أن أعتمد على مبدأ الأولويات. عندما أكون مثلاً في فترة تصحيح الاختبارات، فإن طلابي هم الأولوية. وعندما أقدّم دورة تدريبية، ينال المتدربون تركيزي الكامل. وهكذا أتعامل مع كل مرحلة بما تفرضه من التزامات. المرأة عموماً تتحمل أدواراً متشابكة أكثر من الرجل؛ فهي معلمة وزوجة وأم وناشطة ومربية وصانعة محتوى في الوقت نفسه. وهذا يجعل تنظيم الوقت وإدارة الأولويات فناً ضرورياً. بالنسبة لي، السر هو أن أعطي كل دور حقه في وقته، دون أن أسمح لأي دور أن يلغى الآخر.
7. برأيك، ما هو الدور الحقيقي للمعلم العربي اليوم في ظل التحولات الرقمية وتغيّر وعي الأجيال؟
العالم الرقمي لم يعد خياراً، بل صار واقعاً يفرض نفسه في كل تفاصيل حياتنا. لذلك، على المعلم العربي أن يتغير كما يتغير عصره. لا يمكن أن نتمسك بأساليب الأمس بينما المستقبل يتشكل أمام أعيننا. دور المعلم اليوم هو أن يكون مرشداً وموجهاً، يساعد طلابه على التوازن بين هويتهم وقيمهم، وبين المهارات الحديثة التي يفتحها العالم الرقمي. إنه جسر يربط بين الماضي والمستقبل، وبين الأصالة والمعاصرة.
8.كيف تستثمرين خبرتك الأدبية في كتاباتك التدريبية أو في أسلوبك كمدرّبة؟
بصفتي قارئة نهمة للكتب ، صقلت المطالعة مهارتي في الكتابة والتعبير ،ومهارة الكتابة أيضا أثرت بدورها على مهارتي في التدريب ، وصناعة المحتوى وترتيب الافكار والعناصر وهذا ساهم في صقل مهارتي التدريبية ، لذلك اؤمن أن المهارات مرتبطة ببعضها البعض وكل مهارة تُكمل المهارة الاخرى وتدعمها 
9.ما مشاريعك القادمة مع “معلمينيا”؟ وهل هناك خطط للتوسع نحو شراكات أو نشاطات ميدانية؟
مشاريعنا القادمة في معلمينيا هي أن نستمر في دعم المعلمين وتمكينهم في مختلف المجالات ، المادية والمعرفية والمعنوية أيضا ،حاليا نقدم دورات تدريبية اونلاين وكتب الكترونيه وورقية ونسعى لتطوير مبادراتنا هذه لتشمل الجانب الحضوري والتواجد على ارض الواقع وكمشروع أساسي حاليا نأمل في ان يكون للاكاديمية مقر ننظم فيه الدورلت والورشات والمحاضرات وكل ما ينفع ويفيد المعلمين  
10.أخيرًا، ما الرسالة التي تودين إيصالها لكل معلم عربي يقرأ هذا الحوار على صفحات مجلة “إيلزا”
رسالتي لكل معلم يقرأ هذه الكلمات الان أن يبدأ في تطوير مهاراته وان لا ينتظر الثورات التربوية والاصلاحات الوزارية والدعم الحكومي ، التغيير يجب ام يبدأ من الداخل الر الخارج ،عندما يطور المعلم مهاراته واساليبه ويعمل على تحديث استيراتيجاته واستثمار معارفه سيكون قادر على ان يواجه التحديات وان يعالج المشاكل ايضا ، لذلك كن انت المغير وانت القائد ولا تقف منتظرا تعلن الظلام ، أشعل شمعتك وأضئ طريقك بنفسك 
11.صفي نفسك في جملة؟
 معلمة شغوفة ، امرأة مكافحة ، وقائدة تربوية
في ختام هذا الحوار، تظل تجربة وسام بدري شاهدًا على أن المعلم لا يتوقف عند حدود قاعة الدرس، بل يمكن أن يتحول إلى مصدر إلهام، وصوت داعم، ويدٍ ممدودة لغيره من المعلمين. في مجلة إيلزا يسعدنا أن تكون ضمن طياتها، حاملة رسالتها التربوية والإنسانية، ومؤكدة أن الأثر الحقيقي يبدأ بخطوة شغوفة وصادقة. ومع كل ما تخطط له من مشاريع ومبادرات، تبقى رسالتها الأعمق أن التغيير ممكن، وأن المعلم العربي قادر على أن يضيء درب الأجيال مهما كانت التحديات.

المؤسسة مجلة إيلزا الأدبية للإناث 
المديرة بشرى دلهوم 
الصحفية أسماء أڨيس 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...

ركلة جزاء.pdf

 عنوان الكتاب : ركلة جزاء  مجموعة مؤلفين  إشراف وتدقيق : بشرى دلهوم تصميم وتنسيق : بشرى دلهوم  الناشرة :مجلة إيلزا الأدبية للإناث سنة النشر : 21جانفي 2025 لتحميل الملف اضغط هنا  ركلة جزاء.pdf