التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوار صحفي مع الكاتبة خوجة زينب

خوجة زينب: أكتب كي أعود إليّ… والكتابة وحدها تنقذني من الصمت”

إجراء الحوار: مجلة إيلزا الإلكترونية

في هذا العدد، نستضيف الكاتبة الجزائرية خوجة زينب، صاحبة الرواية الأولى “حين عدت إليّ”، وأم لطفلين، تمسك بالحياة من قلبها، وتكتب من أماكن لا يصلها الضوء. درست المحاسبة، لكنها آثرت أن تستثمر مشاعرها لا الأرقام. عشقت الحروف فوجدت فيها مرآةً لروحها، وصوتًا لأشيائها الصغيرة التي لا ينتبه إليها أحد.


أسئلة الحوار:

1. بداية، خوجة زينب… من تكتبين لها؟ وهل الكتابة لديكِ فعل مخاطبة للذات أم مناجاة للآخر؟
أكتب أوّلًا لنفسي. أكتب كي أسمع صوتي حين يصعب الحديث، وكي أُرتب داخلي عندما تضطرب المشاعر. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد تعبير، بل مواجهة صادقة مع الذات، وفضاء أُمارس فيه حريتي دون قيود.

لكن مع الوقت، أدركت أنني حين أكتب لنفسي، فإنني في الحقيقة أكتب لكل من يشبهني. أكتب لمن مرّ بما مررتُ به، لمن يشعر ولا يجد الكلمات، لمن يبحث عن مرآة روحه في نصّ، وعن عزاءٍ بسيط في جملة.
الكتابة عندي ليست خطابًا مباشرًا، بل حوار داخلي بصوت مرتفع... يسمعه من يملك ذات الحسّ، أو مرّ من ذات الطريق.

2. درستِ المحاسبة المالية، وهو مجال تقني بعيد عن الأدب. هل شعرتِ يومًا أنكِ بين عالمين متناقضين؟ وأين وجدتِ نفسك فعلًا؟
نعم، كثيرًا ما شعرت أنني أعيش بين عالمين لا يتقاطعان. المحاسبة علم دقيق، صامت، يُعنى بالأرقام، والجداول، والحدود الواضحة... بينما الأدب عالم واسع، يفيض بالمشاعر، يكره الصمت، ويحب التفاصيل الغامضة والاحتمالات المفتوحة.

في قاعات المحاسبة كنتُ أتعامل مع المنطق، مع ما يمكن قياسه وحسابه. أما حين أعود إلى الكتابة، كنتُ أهرب إلى ما لا يُقاس ولا يُفسَّر، إلى الحنين، والشعور، والخيال.

ومع الوقت، فهمت أنني لا أنتمي فعليًا إلى عالم الأرقام، وإن كنت قد درسته وأتقنته، إلا أن روحي كانت دائمًا في الجهة الأخرى... هناك حيث تسكن الحروف، وتُروى الحكايات، وتُكتب الذات.

الكتابة هي مكاني الحقيقي. وجدت فيها صوتي، وجدت فيها ملامحي التي لا تظهر في حسابات الميزانية، وجدت فيها الدفء الذي لا تمنحه الأرقام.
فبين عالم المحاسبة وعالم الأدب، اخترت أن أُقيم في الأدب، وأزور المحاسبة كلما لزم الأمر فقط.


3. روايتك الأولى جاءت بعنوان “حين عدت إليّ”… هل كانت الرواية رحلة عودة فعلية إليكِ؟ ما الذي عدتِ إليه حقًا؟
نعم، كانت "حين عدت إليّ" رحلة عودة فعلية، لا إلى الماضي، بل إلى ذاتي التي ضيّعتها في زحمة الألم والانتظار. عدت إلى المرأة التي تُحب، تشعر، وتكتب بصدق... عدت إلى خوجة زينب الحقيقية.

4. تقولين إنكِ تكتبين لأن الكتابة تمنحك الحياة. هل مررتِ بلحظات شعرتِ فيها أن الكتابة أنقذتك فعليًا؟
نعم، شعرت بذلك أكثر من مرة.
الكتابة أنقذتني بصمت في لحظات كنتُ فيها على وشك الانهيار. كانت الملاذ الوحيد الذي أهرب إليه حين لا يفهمني أحد، واليد التي امتدت لي حين سقط كل شيء.
ببساطة... الكتابة أنقذت ما لم يظهر للناس، لكنها كانت كل ما أملكه لأبقى واقفة.

5. الحب والإنسان وتفاصيل الأشياء… ثلاث مفردات تتكرّر في وصفك لأعمالك. لماذا تهتمين بالتفاصيل الصغيرة؟ وهل ترينها أكثر صدقًا من الأحداث الكبرى؟
لأن التفاصيل الصغيرة لا تتجمّل، لا تتصنّع، ولا تحاول أن تُبهر…
هي تحدث بعفوية، وتكشف حقيقة الشعور دون ضجيج.

أهتم بها لأنها — بالنسبة لي — أصدق من الأحداث الكبرى.
قد لا أتذكر ماذا قيل في لحظة مهمة، لكنني أتذكر نبرة الصوت، نظرة العين، ارتباك الأصابع… تلك هي اللحظات التي تعلّق في القلب.

في التفاصيل أكتب الإنسان كما هو، لا كما يُفترض أن يكون.


6. ما التحديات التي واجهتِك كامرأة متزوجة وأم في طريق الكتابة؟ وهل كان المحيط مشجعًا أم مترددًا؟
من أكبر التحديات التي واجهتني كإمرأة متزوجة وأم لطفلين هو تخصيص وقتٍ لنفسي وللكتابة وسط مسؤوليات لا تنتهي، بين بيت وأمومة وأدوار اجتماعية كثيرة. أحيانًا كنت أكتب في أوقات متأخرة، وأحيانًا أكتب في ذهني فقط، وأحتفظ بالنصوص في قلبي حتى أجد لحظة هدوء.

لكنني كنت محظوظة، لأن زوجي كان الداعم الأكبر لي. آمن بموهبتي، وشجّعني على أن لا أتنازل عن شغفي، حتى في أكثر الأوقات ازدحامًا. أما المحيط، فكان بين من يفهم الحلم ويشجّع، وبين من يراه ترفًا أو شيئًا مؤجلًا لما بعد.

لكنني اخترت أن أمضي بصمت وثبات... لأنني أؤمن أن المرأة قادرة على أن تجمع بين كل أدوارها، دون أن تتنازل عن ذاتها.

7. كتبتِ ضمن كتب جامعة مع كتّاب آخرين… كيف كانت تلك التجربة؟ وماذا أضافت لكِ ككاتبة تنمو وتتشكل؟
الكتابة ضمن كتب جامعة كانت تجربة مميزة جدًا بالنسبة لي.
علمتني كيف أكون جزءًا من صوت جماعي، وكيف يمكن للنص أن يبرز رغم تنوع الأقلام حوله.

أضافت لي الكثير من النضج، من حيث احترام المساحة المشتركة، واختيار نص يعبّر عني دون أن ينعزل عن روح العمل الجماعي.
كما كانت فرصة لرؤية كيف يفكر ويكتب الآخرون، وهذا ساعدني على تطوير أسلوبي، وتوسيع رؤيتي ككاتبة ما زالت تتشكل وتنمو بثبات.

8. حصلتِ على شهادات تقدير عن مشاركاتك الأدبية… ما قيمة هذا النوع من الاعتراف لكِ؟ وهل يُغنيكِ عن النشر الفردي؟
شهادات التقدير تحمل لي قيمة معنوية كبيرة، لأنها تعني أن هناك من قرأ، ولامس شيئًا مما كتبت، وارتأى أنه يستحق التقدير.

لكنها لا تغنيني عن النشر الفردي، لأن الكتاب الفردي هو مساحتي الحرة، هو صوتي كاملاً دون اختصار، وهو الحلم الذي أضع فيه بصمتي الكاملة ككاتبة.

التقدير جميل، لكنه لا يُشبع شغفي مثلما يفعل كتاب يحمل اسمي وحدي على الغلاف.

9. البحر واللغة… رمزان لاجتماع الصمت والصخب. كيف تفسرين ارتباطك العاطفي بهما؟
البحر واللغة يشبهانني كثيرًا…
فيهما هدوءٌ ظاهر، وعمقٌ لا يُرى.

أحب البحر لأنه يُشبه الكتابة: يخفي الكثير تحت سطحه، ويبوح فقط لمن يتأمله بصمت.
وأحب اللغة لأنها تمنحني القدرة على التعبير عن أعمق ما أشعر به، حتى وإن بدا الخارج ساكنًا.

ارتباطي بهما عاطفي لأنني أجد فيهما نفسي:
في البحر أستمع لصوتي الداخلي، وفي اللغة أُخرجه إلى العالم.
إنهما رمزان لصراعي بين ما لا يُقال، وما يجب أن يُقال بحبّ ودقة.

10. ما طموحكِ الأدبي القادم؟ رواية جديدة؟ أم تجربة مختلفة تمامًا؟
طموحي الأدبي القادم هو الاستمرار في كتابة الروايات الصادقة، لكن بأسلوب أعمق ونضج أكبر.
أفكر في رواية جديدة تحمل شيئًا مختلفًا في البناء واللغة، وربما أجرّب لاحقًا كتابة نصوص تأملية أو خواطر طويلة، بصيغة أكثر شاعرية وصدق.
المهم بالنسبة لي ليس فقط أن أنشر، بل أن أُقدّم ما يُشبهني فعلًا، ويُلامس القارئ بصدق.

11. تشاركين قريبًا في معرض الكتاب، هل حضوركِ هناك مجرد مشاركة، أم إعلان عن مرحلة جديدة في مسيرتك؟
مشاركتي في المعرض ليست مجرد حضور، بل هي إعلان بداية مرحلة جديدة في مشواري الأدبي.

هي فرصة لألتقي بالقرّاء، وأتنفس أجواء الكتاب والكتّاب، ولأعلن أنني مستمرة، وحاضرة، وجاهزة لما هو أجمل وأصدق.
إنها خطوة صغيرة بحجمها، لكنها كبيرة في معناها... لأنها تقول: خوجة زينب تكتب، وتواصل، وتنضج مع كل إصدار.

12. تقولين: “ما زال في جعبتي الكثير لأقوله”… ما الذي يمنعك من قوله الآن؟ الخوف؟ التوقيت؟ أم أن بعض النصوص تنضج على مهل؟
أحيانًا ما يمنعني من قول ما في جعبتي هو الوقت، وأحيانًا الخوف من ألا تصل كلماتي كما أشعر بها فعلًا.

لكن في أغلب الأحيان، ما يمنعني هو أنني أؤمن أن النصوص الصادقة تنضج على مهل… لا أريد أن أكتب لمجرد الكتابة، بل لأقول شيئًا حقيقيًا، حين يكون مستعدًا للخروج، لا قبله.

أكتب حين ينضج الشعور، ويتكوّن المعنى، وتستوي الحروف على نار التجربة.

13. ما رأيك في الأدب النسوي؟ وهل ترين نفسك ضمن هذا التيار أم تفضلين أن تُقرأ نصوصك دون تصنيف؟
أحترم الأدب النسوي كثيرًا، لأنه أعطى للمرأة صوتًا ومساحة للتعبير عن قضاياها وتجاربها بجرأة وصدق.

لكن شخصيًا، لا أحب أن تُقرأ نصوصي من زاوية التصنيف فقط.
أُفضّل أن تُقرأ ككتابة إنسانية، تلامس الشعور بغض النظر عن جنس الكاتب.

أنا أكتب كامرأة، نعم، لكنني أكتب أيضًا كإنسان يشعر، يحب، يبحث، ويعيش التفاصيل.
لذا أُحب أن تصل كلماتي إلى القارئ دون أن تُقيّد بتسمية، بل أن تُقرأ بحرّية، مثلما كُتبت بحرّية.

14. ما المعيار الذي تعتمدينه للحكم على نصوصك؟ متى تقولين: “هذا النص نضج، ويستحق الخروج للعلن”؟
أكتب بعفوية، وما خرج منّي في المرة الأولى أعتبره غالبًا الأصدق والأكثر نضجًا.
لأن اللحظة الأولى تحمل الانفعال الحقيقي، والكتابة حينها لا تتجمّل ولا تتردّد، بل تقول ما يجب أن يُقال بشفافية.

لا أُرهق نصوصي بكثرة التعديل، بل أستمع لقلبي:
إذا شعرت أن النص يشبهني تمامًا، فأنا أتركه يذهب إلى القارئ كما وُلد.
فالصدق عندي هو المعيار الأول للنضج.

15. أخيرًا، ماذا تريد خوجة زينب أن تترك خلفها حين تفرغ من الحبر والكلمات
أريد أن أترك أثرًا صادقًا في القلب…
أن يقرأني أحدهم يومًا، فيشعر أنني كتبت عنه، لا عن نفسي.

لا أطمح فقط لأن أُذكر ككاتبة، بل كصوت لامس شيئًا عميقًا في الناس، خفّف عنهم، أو منحهم دفئًا وسط برد الحياة.

حين يفرغ الحبر وتسكت الكلمات، أتمنى أن تبقى نصوصي شاهدة أنني كنتُ هنا بصدق، وبقلب ممتلئ بالحياة والحب والتفاصيل.

في ختام هذا اللقاء، أتقدّم بخالص الشكر والتقدير لكِ على هذا الحوار الراقي والعميق،
ولفريق المجلة على منحي هذه المساحة الجميلة للتعبير والمشاركة.
سعدتُ كثيرًا بهذه الفرصة، وأتمنى أن تصل كلماتي إلى من يحتاج أن يسمع
حين تختم خوجة زينب حديثها، لا تتركنا عند حدود الكلمات، بل تمد يدها لنا لنشعر بالنبض الحقيقي وراء النصوص، ذلك النبض الذي يخلق الحكاية ويمنحها حياة. هي ليست مجرد كاتبة تروي، بل امرأة تعيش وتقاتل، وتكتب لتكون صوت من لا صوت لهم. في زمن يسرقنا فيه الصمت، تبقى كتاباتها شعلة تضيء الدروب المظلمة، تذكرنا بأن الحبر لا يجف حين يكون ينبض بالصدق والحب. خوجة زينب تكتب، وتعود، وتبقى، حتى بعد أن تفرغ من الحبر والكلمات

المؤسسة مجلة إيلزا الأدبية للإناث 
المديرة بشرى دلهوم 
الصحفية أسماء أڨيس 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...

ركلة جزاء.pdf

 عنوان الكتاب : ركلة جزاء  مجموعة مؤلفين  إشراف وتدقيق : بشرى دلهوم تصميم وتنسيق : بشرى دلهوم  الناشرة :مجلة إيلزا الأدبية للإناث سنة النشر : 21جانفي 2025 لتحميل الملف اضغط هنا  ركلة جزاء.pdf