ثنائية الحب و الفراق
منذ أن خُلِق القلب وهو يبحث عن مرآة له، وُجدت ثنائية لا تهرب منها الروح: الحب والفراق. كأن الحياة لم تُعطَ الإنسان إلا ليعرف بهذين الوجهين المتقابلين، وجهٌ يمتلئ بالنور، وآخر يغوص في الظلال. وبينهما يسير القلب، يمشي على حافة الضوء والظلام، متأرجحًا بين نشوة الوجود ومرارة الغياب.
الحب هو العاصفة الدافئة التي تهب على الروح، تضرب بأجنحتها البهجة، وتترك القلب يرقص على وقع النبض. هو اللحظة التي تصير فيها كل الأشياء مُمكِنة، كل الطرق ممهدة، وكل القلوب قريبة. الحب يشبه الفجر الذي يذيب الصقيع عن الأشجار، يزرع الزهور في صدورنا، ويجعل كل شيء ممكنًا.
أما الفراق… فهو الليل الطويل الذي يختبئ خلف الزوايا، يصمت ويترصد، حتى عندما يغيب وجه واحد، تتحطم كل اللوحات، وتصبح الكلمات رمادًا، والموسيقى صمتًا مُوحشًا. الفراق لا يطرق الباب؛ بل يتسلل، يهمس في قلبك، ويترك خلفه فراغًا يصرخ بصوتك المفقود.
في جدلية لا تنتهي، يتحاور الحب والفراق، كطفلين مشاغبين يتناوبان على القلب:
الحب يقول: “أنا البداية، أنا الضوء الذي يسكب الدفء على كل شيء، أنا الحلم الذي يلوّن العالم.”
الفراق يردّ: “وأنا النهاية، أنا الصمت الذي يذكّرك بأن كل ضوء هشّ، وأن الحلم ينهار حين يغيب من أحببت.”
الحب يفاخر: “أنا الأمان، أنا الشعر، أنا كل ما يجعل الروح تهتف بالحياة.”
الفراق يبتسم بمرارة: “وأنا الحقيقة، أنا المرآة التي تكشف هشاشة القلب، أنا الدرس الذي يعلمك كيف تكون الوحدة أعمق من أي حضن.”
لا ينفصلان، فكل حب يحمل في داخله ظلّ الفراق، وكل فراق يخبئ ذكريات حبٍ لم يمت. هما وجهان لعملة واحدة، يسكنان الروح معًا، يمررانك من النشوة إلى الحزن، ومن الحنين إلى الصفاء، كما تمرّ الأمواج على الشاطئ، لا تتوقف أبدًا.
يبقى القلب أسير هذه الثنائية الأزلية: يطلب الحب ويعرف أن الفراق يترصده، ويخشى الفراق ويعرف أن الحب يستحق المخاطرة. سرّ الحياة ربما ليس في انتصار أحدهما على الآخر، بل في القبول بأنهما معًا يكتبان لحن الروح. لو لم نعرف الفراق، لما عرفنا قيمة الحب، ولو لم نذق الحب، لما كانت للفراق هذه القسوة الجميلة.
هكذا تبقى الحكاية مستمرة… حبٌ يضيء، وفراقٌ يُطفئ، وقلبٌ يعيد المحاولة، كل مرةٍ بأملٍ أكبر، وكل مرةٍ بألمٍ أعمق، لكن دائمًا مستعدٌ لأن يحب من جديد.
أسماء أقيس
تعليقات
إرسال تعليق