التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فطرة المرأة أقوى، أم فطرة الرجل؟بقلم الكاتبة: عُماري أسماء

فطرة المرأة أقوى، أم فطرة الرجل؟

بقلم الكاتبة: عُماري أسماء

خَلَق الله الإنسان ليعمر في الأرض، ليتأمل ويتدبر ويفكر... وهذه فكرة قائمة منذ الأزل، لا نعارضها ولا نتعجب منها.
لكن الغريب حقًا هو أن كينونة الرجل وطبيعته السيكولوجية تدفعه إلى الارتباط بأي امرأة ويستطيع التأقلم معها، سواء بعد وفاة زوجته، أو طلاقه لزوجته، أو حتى وهو ما يزال في الزوجية.
عكس المرأة، التي تصمد وتثبت وتتحمل عبء المسؤولية في تربية أجيال، بل وتجمع بين دورَي المرأة والرجل، في حال فقدانها لزوجها لأي سبب؛
وهنا، سؤال يطرح نفسه:
هل صمود المرأة وقدرتها على عدم الزواج بعد فقدها لزوجها يرجع إلى فطرتها التي تختلف عن فطرة الرجل؟
وسؤال ثاني: هل تأقلم الرجل… فطرة أم حاجة؟

الرجل بعد الطلاق، أو الفقد، أو وفاة شريكة حياته، يمرّ بمرحلة حزن واكتئاب، لكنه لا يلبث أن يتجاوزها بسرعة.
وسرعان ما يبدأ في البحث عن امرأة تملأ حياته. لا تهمه كثيرًا المواصفات ولا الشكل، المهم أن يجد أنثى تسد وحدته وتملأ فراغه، لأنه ببساطة لا يحب البقاء بدون امرأة في حياته.
فنجده يسعى جاهدًا للارتباط بامرأة أخرى، سواء بزواج جاد أو حتى مجرد مصاحبة.
والملفت في هذا، هو تشجيعه من قبل محيطه ومن المجتمع باستمرار.
المجتمع يساند الرجل في إعادة بناء حياته، والقانون يفتح له كل الأبواب دون قيود.
على سبيل المثال:
في المجتمعات العربية، نجد الأم تبحث لابنها عن امرأة أخرى، وتغذيه بأفكار مثل:
"ألف امرأة تتمناك، وأنت رجل تستطيع البدء من جديد".
لكن هنا يتبادر إلى أذهاننا تساؤلات:
هل هذا الرجل ضعيف عاطفيًا؟
أم أنه لا يقوى إلا بوجود امرأة في حياته؟
هل المرأة في حياة الرجل مجرد قطعة أثاث قابلة للاستبدال؟
أم أنها حقًا الداعم والمحرك الأساسي له؟
في النهاية، لا يمكن إنكار أن المرأة هي المحور في حياة الرجل، وبدونها لا تستقيم حياته.
عندما يفقد الرجل المرأة، فإنه يفقد إحدى ركائز وجوده رغم توفر كل متطلبات عيشه.
الرجل بطبعه يميل للمرأة، خاصة إذا كانت ذكية، أنيقة، جذابة…
حينها، ينسى ماضيه، ويبدأ من جديد، ويهتم بمظهره ونفسه.
المرأة... حين تُكسر وتُجبر نفسها، هي عكس الرجل الذي يلتفت لامرأة أخرى.
نجد المرأة حين تُستَبدَل، أو تفقد زوجها، أو تُطلّق، تشمّر على ساعديها وتبدأ حربًا صامتة من أجل البقاء.
تحزن، تُجرَح، تبكي، وربما تكتئب، لكنها في النهاية، لا تنهار... بل تُعيد بناء نفسها من جديد.
تدفن المرأة الأولى، وتُولد من رمادها امرأة جديدة، تجمع بين الرقة والصلابة، بين العاطفة والمسؤولية، تتحمل عبء تربية الأبناء، وتسهر على راحتهم، وتبذل كل ما تملك لإعالتهم… دون أن تلتفت خلفها.
فإن نجحت، ورفعت رأسها، يُقال عنها:
"تلك العاهرة!"؛ لا يمتدحها المجتمع ويثني على إرادتها، بل يجلدها، لأن نظرة المجتمع لا ترى في المرأة القوية إلا تهديدًا.
وإن قررت أن تعيد بناء حياتها، تنهال عليها الأحكام الجاهزة:
"كيف تفكر بالزواج؟ وأولادها؟! أليست أمًّا؟!"
حتى وإن تزوجت، تُجبر على الجمع بين بيت جديد، وزوج جديد، وأبناء من ماضٍ مضطرب…
تصرف على أبنائها، وتربيهم، وتحميهم من ذلّ الحاجة…
نعم، هذه هي المرأة.
تُكسر… فتجبر نفسها.
تُخذل… فتستند على ذاتها.
تُهان… فتنهض وتربّي أمة.
كم من أرملة أنشأت جيلًا متعلمًا؟
وكم من مطلقة كوّنت أمة راقية؟
المرأة لا تحتاج رجلًا لتعيش،
بل تحتاج رجلًا كي لا تقسو أكثر.
وإن لجأت إليه، فلأنه ستر وسند، لا لأنه كل الكون.
فطرة، غريزة، أم صناعة مجتمع؟
في النهاية، لا يمكن إنكار أن مجتمعنا يميل لتشجيع الرجل على البدء من جديد، ويُسهّل له الأمر دون لوم أو عتاب.
في المقابل، تُثقل كاهل المرأة باللوم، وتُحاسَب على كل قرار، بل وحتى على نجاحها!
الرجل يُقال له: "ابدأ حياتك من جديد".
أما المرأة، فيُقال لها: "اصبري، فكّري في أولادك، عيب!"
الرجل يتأقلم سريعًا ربما بفطرته، وربما لأن المجتمع يساعده على ذلك.
أما المرأة، فهي تُجبر أن تكون البديل لنفسها، وأن تتحول لرجل وامرأة في آن واحد.
فهل نلوم الرجل؟
أم نلوم مجتمعًا يجعل من المرأة بطلة لا تُكافأ، وخصمًا يُدان حين يختار الحياة؟
وهل صمود المرأة فطرة في طبيعتها أقوى من فطرة الرجل؟
أم أن قسوة الظروف هي التي جعلتها أقوى مما ينبغي؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...

ركلة جزاء.pdf

 عنوان الكتاب : ركلة جزاء  مجموعة مؤلفين  إشراف وتدقيق : بشرى دلهوم تصميم وتنسيق : بشرى دلهوم  الناشرة :مجلة إيلزا الأدبية للإناث سنة النشر : 21جانفي 2025 لتحميل الملف اضغط هنا  ركلة جزاء.pdf