في مجلة “إيلزا”، نواصل لقاءاتنا الأسبوعية مع أصوات نسائية صنعت حضورها بالكلمة، واختارت أن تكون الكتابة طريقها للبوح والتأثير.
لقاؤنا هذا الأسبوع مع الكاتبة غادة، التي لا تكتب بحثًا عن التصفيق، بل وفاءً لصوتها الداخلي. بدأت رحلتها بهدوء، من خواطر طفولية ودفاتر صغيرة، إلى كتب ناضجة تحاكي الواقع والوجدان معًا.
في هذا الحوار، تحدّثنا عن البدايات، عن النشر، عن المعارك الصامتة خلف كل نص، وعن الرواية التي تشق طريقها حاليًا بين يديها
الحوار الصحفي – مجلة “إيلزا” الإلكترونية
1. كيف بدأتِ رحلتك مع الكتابة؟ وما الذي جعلكِ تتمسكين بها حتى اليوم؟
لا أستطيع تحديد لحظة بعينها بدأت فيها الكتابة، لكن منذ طفولتي وأنا شغوفة بالقراءة. وجدت نفسي أكتب خواطر قصيرة وأسجل كل ما أعيشه في دفتري الخاص. لم أكن آخذ الكتابة بجدية في البداية، لكنها سرعان ما أصبحت عالمي الخاص، أعيش فيه حكايات ليست لي، وأرسمها بالكلمات.
ما يجعلني متمسكة بالكتابة حتى اليوم هو أنها ببساطة... حياتي. ليست مبالغة، بل هي الحقيقة التي أعيشها؛ وبدونها لا تُعاش الحياة.
2. تصفين الكتابة بأنها “نَفَس لا غنى عنه”… ما الذي تمنحكِ إياه ولم تجدينه في الواقع؟
الكتابة منحتني حياة كاملة لم أُعشها، وذاتًا لم أستطع التعبير عنها في الواقع. في الكتابة أعيش وأتنفس وأفهم نفسي أكثر. أكتب عن واقعي لأستوعبه، وأخلق عالمي لأحتمي به.
3. لم تسعي يومًا للاحتراف أو الشهرة… هل كان هذا قرارًا أم قدرًا؟
لم أسعَ يومًا للشهرة، لا في الكتابة ولا في أي مجال آخر. قد يراه البعض خجلًا أو حبًا للخصوصية، لكنه في الحقيقة أسلوب حياة اخترته عن قناعة. أحب أن أخلص لما أفعله بصمت، دون ضوضاء أو أضواء.
4. ما الفرق الجوهري بين تجربتكِ في “اقتناص” و”صباح غير كل صباح”؟
"اقتناص" كانت البداية، كتبتها قبل أن أكتسب الخبرة الكافية. أما "صباح غير كل صباح" فقد جاءت في مرحلة أكثر نضجًا. وكل نص كتبته بعد ذلك، خاصة في "معزوفات على جدار الزمن"، كان مختلفًا، سواء في الأسلوب أو التكنيك أو اللغة. كل تجربة كتابية تصقلني أكثر.
5. “معزوفات على جدار الزمن” كتاب متنوع الشكل… أي شكل أدبي هو الأقرب إليكِ؟ ولماذا؟
أحب الأدب المختزل. رغم أن بدايتي كانت مع القصة القصيرة، فإنني وجدت ذاتي في القصة القصيرة جدًا والومضة. أجيدها وأتميز بها، ولها وقع خاص في نفسي. ومع ذلك، تظل القصة القصيرة مكانًا أعيش فيه بالتفصيل، وأتقمص شخصياته كأنني بطلتها.
6. تنشرين في الصحف والمنصات الرقمية… كيف تقارنين بين التجربتين؟
النشر في الصحف منحني ثقة، خصوصًا في بداياتي، أما المنصات الرقمية فكان لها الفضل الأكبر في تعليمي وتطوري. كل تعليق كنت أتلقاه كان فرصة لفهم نفسي وأخطائي، والتعلم منها. لذلك أعتبر النشر الرقمي مدرسة حقيقية.
7. هل تشعرين أن النشر الإلكتروني منحك حرية أوسع أم شوّش صوتك؟
بالعكس، منحني حرية كبيرة في التعبير عن ذاتي، وفتح أمامي أبوابًا كثيرة للتواصل مع قرّاء وأساتذة أتعلم منهم باستمرار.
8. كيف تتعاملين مع آراء القراء؟ وهل أثّر رأي ما على طريقة كتابتك؟
أتلقى آراء القراء بوعي واهتمام. في البداية كنت أتأثر كثيرًا، حتى بالحروف البسيطة، لكني قررت أن أتعلم من كل ملاحظة، أسأل، أفهم، وأطور نفسي. لا أتجاهل النقد، بل أعتبره خطوة في طريق النضج.
9. فزتِ بعدة مسابقات على الفيسبوك… ما الذي تعنيه لكِ هذه المشاركات؟
في البداية كانت وسيلة لمعرفة مستواي، لكن مع الوقت أصبحت حافزًا للاستمرار، لا لقياس الإنجاز. الفوز جميل، لكنه ليس هدفي. هدفي الحقيقي هو الاستمرار في الكتابة.
10. تقولين إن الجوائز لا تهمك… فما الذي يُرضي غادة الكاتبة؟
أن أكتب دائمًا. أن يظل قلمي نابضًا، وأفكاري متدفقة، وروحي قادرة على الإبداع… هذا وحده يُرضيني.
11. ما موقفك من تصنيفك كـ”هاوية” رغم كل ما نشرتِه؟
ما زلت أرى نفسي هاوية، لأني أكتب حبًا في الكتابة، لا لأجل الشهرة أو الربح. أكتب عن الناس، عن الحياة، عن الخيبات... وعن حكايات أعيشها أو تمر بي في عملي كأخصائية اجتماعية. كل يوم أتعلم قصة جديدة وأشارك فيها، حتى لو لم تكن قصتي.
12. هل الكتابة عندك فعل شفاء أم مواجهة؟
الكتابة عندي شفاء ومواجهة معًا. شفاء لروحي، ومواجهة لكل ما أمرّ به من صراعات داخلية وخارجية.
13. ما اللحظة التي شعرتِ فيها أنكِ كاتبة حقيقية، لا لمجرد الهواية؟
14. حين صدر أول كتاب لي. كل إصدار كان بمثابة ولادة جديدة، وشهادة بأني أعيش حياة لا تشبه سواها، حياة بالحبر والكلمات.
14. ما المشروع القادم؟ وهل هناك جديد ينتظر قرّاءك؟
أعمل حاليًا على كتابة روايتي الأولى، وهي تجربة جديدة ومختلفة تمامًا عن القصص والومضات. أرجو أن أنهيها قريبًا، وأتمنى أن تكون بداية جميلة في عالم الرواية.
15. كلمة أخيرة لغادة التي بدأت أول سطر في حياتها الأدبية… ماذا تقولين لها الآن؟
بدأتِ أول سطر صدفة، لكنكِ قررتِ أن تكملي باقي السطور بإرادة لا تضعف…
أتمنى أن تظلي مخلصة لذلك القرار، وألا تهجريه أبدًا، فالحروف بيتك، والكتابة قدركِ الجميل.
في حضرة كاتبة تكتب بقلبٍ لا يجامل، وكلمات لا تُزيَّف، ندرك أن الكتابة ليست مهنة ولا شهرة، بل حياة بديلة تنقذنا حين يخوننا الواقع.
غادة لم تبدأ رحلتها طلبًا للاعتراف، لكنها وصلت… لأنها بقيت وفية لذاتها.
ولعلّ هذا هو سرّ الذين يكتبون من الداخل: لا يصنعون ضجيجًا، لكن أثرهم لا يُمحى.
شكرًا غادة، لأنكِ تكتبين… فقط لأنكِ لا تستطيعين التوقف.
حاورتها :أسماء.أقيس
تعليقات
إرسال تعليق