مقدمة الحوار:
في عالم الكتابة تتلاقى الكلمة مع الروح، وحيثما وجدت شابة تكتب بإيمان عميق بقدرة الأدب على التغيير والشفاء، كان لابد لنا أن نرحب بها في رحاب مجلة إيلزا الأدبية للإناث.
الكاتبة الشابة أحلام عيادي، ذات الـ19 عامًا من ولاية بجاية، تؤمن أن الكتابة ليست مجرد هواية بل رسالة حياة. عبر ثلاث مجموعات أدبية متميزة، مثل سياط الحياة وخبايا القدر وسونة، تنقل لنا أحلام صوتًا نابضًا بالحس الإنساني والبحث في أعماق النفس، مستكشفةً الجانب الخفي من واقعنا المعاصر، ومُعبرةً عن هموم من لا صوت لهم.
نلتقي اليوم معها لنسبر دواخل تجربتها الأدبية، ونكتشف كيف تكتب شابة جزائرية معاصرة عن واقعها وعن ذاتها، وعن آمالها وطموحاتها في عالم الأدب.
أسئلة الحوار:
س: بداية، أحلام، كيف بدأت رحلتك مع الكتابة؟ وهل كان هناك حدث أو موقف معين دفعكِ لتوثيق أفكاركِ بهذه الطريقة؟
ج: بدأت رحلتي مع الكتابة بشكل عفوي. منذ صغري كنت أحب العزلة أحيانًا، وأجد راحتي بين صفحات دفتر صغير أخط فيه كل ما يخطر ببالي. لم أكن أعلم أن تلك الخربشات البسيطة ستتحول يومًا إلى كتب.
أما الحدث الذي دفعني فعليًا للكتابة الجادة، فكان لحظة شعرت فيها أن لا أحد يفهمني، ولا وسيلة لي للتعبير عن نفسي سوى الورق. كتبت لأُفرغ ما في داخلي، ثم لاحقًا بدأت أكتب لأُوصل رسائل، لأحكي قصصًا، ولأمنح الآخرين فرصة للشعور بأنهم ليسوا وحدهم
س: كتبتِ عن قضايا نفسية وإنسانية في أعمالك، كيف تختارين المواضيع التي تلامس القارئ؟
ج: المواضيع لا أختارها دائمًا بعقلي، بل كثيرًا ما تختارني بقلبي. أكتب عن القضايا النفسية والإنسانية لأنها الأقرب إليّ، ولأني أؤمن أن كل إنسان يحمل في داخله جراحًا مخفية لا يراها الآخرون.
أستلهم المواضيع من الواقع، من مواقف مررت بها أو شاهدتها، من أحاديث عابرة أو حتى من نظرة في عيون شخص صامت. ما يهمني دائمًا هو أن يشعر القارئ بأن النص يشبهه، أنه يرى نفسه بين السطور، ويشعر بأن أحدًا أخيرًا عبّر عمّا كان يعجز هو عن قوله.
لذلك، أختار المواضيع التي تحمل صدقًا وألمًا وعمقًا… لأنها، في النهاية، التي تترك الأثر الحقيقي
س: هل ترين أن الكتابة للشابات في الجزائر تكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والثقافية؟
ج: نعم، أرى أن الكتابة للشابات في الجزائر تكتسب أهمية خاصة، بل وضرورة في ظل ما نعيشه من تحديات اجتماعية وثقافية. فالكثير من الفتيات يحملن في داخلهن أفكارًا، مشاعر، وتجارب يصعب التعبير عنها في الواقع بسبب القيود المفروضة أو نظرة المجتمع.
الكتابة تمنحنا صوتًا، تجعلنا مرئيات في عالم يحاول أحيانًا تهميشنا أو إسكاتنا. من خلالها، نستطيع أن نطرح قضايا مهمة تمس حياتنا اليومية كالصمت، القسوة، الطموح، الحرية، وحتى الخوف.
كما أن الكتابة تفتح أمام الشابات نافذة ليكتشفن أنفسهن، ليتحررن داخليًا، وليصبحن مصدر إلهام لغيرهن. لهذا أؤمن أن الكتابة ليست فقط فعلًا ثقافيًا، بل أيضًا شكل من أشكال المقاومة والوعي
س: ما هو دور الأدب في نقل صوت النساء والشباب الذين قد لا يجدون من يستمع إليهم؟
ج: الأدب هو صوت من لا صوت لهم، وهو الجسر الذي يعبر من خلاله النساء والشباب عن مشاعرهم وتجاربهم التي غالبًا ما يتم تجاهلها في المجتمع. عندما يكتب شخص ما عن الألم، عن الحيرة، عن التهميش أو حتى عن الأحلام الصغيرة التي لا تجد من يؤمن بها، فإنه يخلق مساحة آمنة لكل من يقرأ ليشعر أنه ليس وحده.
بالنسبة لي، الأدب ليس ترفًا فكريًا، بل وسيلة للمقاومة، للتعبير، وللنجاة. من خلاله يمكن أن تنكسر القيود، ويعلو الصوت، وتُفتح أعين لم تكن ترى. هو أداة تغيير ناعمة لكنها عميقة، تُحدث أثرها بصمت، لكنها تترك أثرًا لا يُمحى.
في عالم لا يُنصت دائمًا للضعفاء، يأتي الأدب ليقول: أنا أراك، أنا أفهمك، وأحكي قصتك
س: كيف تصفين أسلوبك في الكتابة؟ هل تميلين للغة بسيطة مباشرة، أم تحبين اللعب بالكلمات والتصوير الأدبي؟
ج: أستطيع أن أقول إن أسلوبي في الكتابة يتشكل حسب طبيعة القصة أو الموضوع، لكن في الغالب أميل إلى اللغة البسيطة والمباشرة، لأنها الأقرب إلى القارئ، وتصل بسرعة إلى القلب.
أنا لا أكتب لأعقد الأمور، بل لأوصل مشاعر وأفكار بطريقة يفهمها الجميع، خاصة من يعيشون نفس الألم أو يمرون بتجارب مشابهة. ومع ذلك، لا أبتعد عن التصوير الأدبي عندما أشعر أنه يعمّق المعنى ويضيف لمسة شعورية للنص، لكن دون أن يُفقده وضوحه أو صدقه
س: هل هناك كُتاب أو كاتبات أثّروا في أسلوبك وأفكارك الأدبية؟
ج: نعم، هناك كُتّاب وكاتبات تركوا أثرًا في داخلي، ليس فقط في الأسلوب، بل في طريقة نظرتي للكتابة والحياة. قراءاتي المتنوعة جعلتني أتعلم من كل قلم شيئًا مختلفًا.
تأثرت بالكُتاب الذين يكتبون بصدق، الذين لا يخافون من كشف الضعف الإنساني، والذين يجعلونك تشعر أن كل كلمة كُتبت من عمق القلب. قد لا يكون التأثير دائمًا مباشرًا أو ظاهرًا، لكنه يتسلل بهدوء إلى طريقة التعبير، إلى اختيار المواضيع، وحتى إلى الإحساس بالكلمة.
وأكثر من الكُتّاب، ربما كانت الحياة نفسها هي المعلم الأكبر، بتجاربها ومواقفها التي صقلت قلمي وجعلتني أكتب كما أشعر، لا كما يجب
س: ما هي الصعوبات التي تواجهينها كشابة تكتب في مجتمع قد لا يزال يحتفظ بأفكار تقليدية عن دور المرأة والكتابة؟
س: هل تخططين لتجربة أنواع أدبية أخرى، مثل الرواية أو الشعر؟
ج: نعم، أنا دائمًا منفتحة على تجربة أنواع أدبية جديدة. بدأت بكتابة القصص، لأنها كانت الأقرب لي في التعبير عن أفكاري ومشاعري، لكنها لم تكن النهاية.
حاليًا، أنا بالفعل أكتب في مجال الرواية، لأنها تمنحني مساحة أوسع للغوص في الشخصيات وبناء العوالم وتفصيل القضايا التي تهمني. أما الشعر، فحتى وإن لم أنشر شيئًا حتى الآن، أحيانًا أجد نفسي أكتب مقاطع تحمل نَفَسًا شعريًا، ربما يكون ذلك تمهيدًا لشيء ما في المستقبل.
أؤمن أن الكاتب الحقيقي لا يقيّد نفسه بنوع واحد، بل يجرّب، ويكتشف، وينمو مع كل تجربة جديدة
س: ما الرسالة التي تودين إيصالها لكل فتاة شابة تحمل قلمًا لكنها ما تزال تتردد في النشر أو التعبير عن ذاتها؟
خاتمة الحوار:
ج: أقول لكل فتاة تحمل قلمًا وتخشى التعبير: لا تخافي من صوتك، فهو أثمن ما تملكين. لا تنتظري إذنًا من أحد لتكتبي، ولا تقيسي نفسك بالآخرين. ابدئي، حتى وإن كانت كلماتك بسيطة، فهي صادقة، والصِدق هو ما يلامس القلوب حقًا.
نحن نكتب لنُشفى، لنفهم أنفسنا، ولنُحدث فرقًا، ولو بكلمة. العالم بحاجة لصوتك، لتجربتك، لرؤيتك الخاصة. فلا تحرميه من ذلك. ثقي بنفسك، واكتبي… فربما كانت كلماتك نورًا لغيرك
من خلال كلماتها وإبداعها، تؤكد لنا أحلام عيادي أن الكتابة ليست مجرد هواية أو تسلية، بل هي رسالة حقيقية وإيمان عميق بقدرة الكلمة على التغيير والشفاء. صوتها الجديد في الأدب الجزائري الشاب ينبض بالحياة، وبحساسية المراهقة المتفهمة لقضايا مجتمعها ونفسها.
في حوارنا معها، لمسنا شجاعة الكاتبة التي تقف أمام التحديات بكل ثقة، حاملةً راية الإبداع والصدق، لتكون مثالاً لكل من ترغب في أن تروي قصتها وتكتب صوتها الخاص.
المؤسسة: بشرى دلهوم
#مجلة إيلزا الأدبية للإناث
المحررة: صارة عمراني
ردحذف🫀Keep going grl
🙏🏽You have all my support