أزهري أينما حللتِ
التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأخلاق.. الشعلة التي لا يجب أن تنطفئ بقلم/ رنا ماهر

الأخلاق.. الشعلة التي لا يجب أن تنطفئ


في خضمّ عالم سريع التغيّر، تتبدّل العادات وتُعاد صياغة القيم وفق إيقاع الحياة العصرية. وبين هذا التسارع، بدأت تظهر سلوكيات حديثة تسللت إلى حياتنا اليومية حتى باتت تشكّل ما يشبه "الآفات المجتمعية المعاصرة"، التي لا تؤثر فقط على طريقة تفكيرنا وسلوكنا، بل تمسّ بعمق وعينا، وتفصل الإنسان شيئًا فشيئًا عن روحه الحقيقية وفطرته الأصيلة.

ومن أبرز هذه الظواهر وأكثرها خطورة: تغيّر الأخلاق.

إن القيم الأخلاقية لم تكن يومًا ترفًا ثقافيًا أو مجرد شعارات نُعلّقها على الجدران، بل هي أساس بناء الإنسان والمجتمع والحضارة. فالأخلاق هي لغة الروح، وهي التي تُهذّب الفطرة وتضبط الغرائز، وهي التي تحفظ للإنسان إنسانيته وسط صراعات المادة والصوت العالي للمظاهر.

لقد أدركت الأديان السماوية، وعلى رأسها الإسلام، هذه الحقيقة، فجاءت تؤسس لبُعد أخلاقي متين، وبيّن الرسول الكريم ﷺ الهدف من بعثته بقوله: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وكان القرآن واضحًا حين وصفه بقوله: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"، ليجعل من الأخلاق قوام الدين، وركيزة التعامل، وميزان التفاضل الحقيقي بين الناس.

ورغم ذلك، أصبحنا اليوم نشهد انسلاخًا تدريجيًا عن هذه القيم. بات الصدق يُنظر إليه بسذاجة، والتسامح يُفسَّر ضعفًا، والرحمة أصبحت رفاهية نادرة. في المقابل، انتشرت سلوكيات كالأنانية، والغضب السريع، والعنف اللفظي والجسدي، والانغماس في اللهث وراء المال والمكانة، حتى فقد الكثيرون بوصلتهم الداخلية.

إن أخطر ما في هذا الانحدار الأخلاقي، أنه لا يُحدث فقط شرخًا في العلاقات بين الأفراد، بل يترك أثرًا سلبيًا عميقًا على بنية المجتمع بأسره، بل وعلى البيئة النفسية المحيطة بنا. فحين تغيب القيم، يعلو الضجيج، وتُطفأ الأنوار، وتتحول الحياة إلى منافسة غير نبيلة تفتقر للمعنى.

لكن الأمل لا يزال ممكنًا.
بل هو يبدأ من الفرد، من قرار داخلي يتّخذه كل واحد منا أن يكون مختلفًا. أن يكون هو النور وسط العتمة. أن يختار الأخلاق رغم قبح ما حوله، وأن يتمسّك بالصدق والرحمة رغم قسوة الآخرين.
أن يكون ذلك الشخص الذي يُلهم، لا بخطاباته، بل بسلوكه. الذي يُحيي الأرواح بالكلمة الطيبة، والموقف النبيل، والصبر الجميل.

لا تنتظر أن يتغير الجميع.
بل تذكّر أن الأخلاق ليست رد فعل، بل هي اختيار ثابت لا يتأثر بضجيج الخارج.
كن أنت الشعلة التي احتفظت بضوئها، والعقل الذي حافظ على وعيه، والقلب الذي لم ينسَ كيف يُحبّ، ويعفو، ويمنح.

ففي زمن فقدت فيه الأشياء معناها، تبقى الأخلاق هي المعنى، وهي الرسالة، وهي الإرث الذي يبقى بعد الرحيل.

بقلم/ رنا ماهر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب محاربة الفيبروميالجيا

محاربة الفيبروميالجيا.pdf الكاتبة خولة بوزياني المدققة اللغوية: بشرى دلهوم إعداد وإشراف : بشرى دلهوم الناشرة مجلة إيلزا الأدبية للإناث الطبعة الأولى: 2024

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...