التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أنين لا يفهمه الفن بقلم الكاتبة الجزائرية أسماء أقيس

أنين لا يفهمه الفن

لم تُغرِني سمفونية بيتهوفن،
فأنين قلبي أكثر جرحاً من نوتةٍ سقطت من عزفٍ لم يكتمل.
ولا الموناليزا شدّتني،
فكلّ ابتسامةٍ لا تبوح تُشبه قلبي حين يُخفي الغرق خلف نظرةٍ عالية.
ولا طرقات روما أسكرتني،
فقلبي بلا تاريخ، بلا تماثيل، بلا قبلةٍ على الرخام.
مدينة أُغلقت بواباتها منذ زمن،
طرقاتها تفضي إلى الغياب،
وشرفاتها لا تنتظر أحدًا.
لم يُدهشني فان غوخ وهو يقطع أذنه للحب،
فأنا اقتطعتُ من روحي مقاطعَ كاملة، ولم يسمع أحد صراخي.
كنتُ أرسم نفسي يوميًا دون أن أجد ملامحي.
ولا غويا بمراثيه المظلمة أخافني،
فأنا أعيش لوحةً بلا لون، ترسمها الخيبات بأطراف أصابعها المرتجفة.
وسلفادور دالي حين لوّن الجنون بالساعة الذائبة،
نسي أن بعض الأزمنة لا تذوب… بل تتجلّد داخلنا،
وتتكرّر، تُعذّب، وتعود إلينا على هيئة رسائل لا تُرسَل.
بابلو بيكاسو… ذاك الذي كسّر الوجوه ليُعيد تركيبها،
نسي أن بعض الوجوه حين تُكسر لا يمكن ترميمها.
أنا كنتُ واحدة منها،
امرأة تشظّت في مرآة رجلٍ لا يرى إلا نفسه.
رامبو؟
كان يركض خلف القصيدة،
لكنني كنتُ أجري قبله،
أهرب من نصٍّ يلاحقني، ومن قافيةٍ تُشبه حنيني له.
ولا بودلير بشياطينه أغواني،
فأنا أعرف تمامًا كيف يسكن الظلام امرأة،
ويكتبها كما لو كانت لعنةً معلّقةً على صدر الليل.
أما الشعراء…
فـأدونيس تاه في أسطورته،
وأنا كنت أبحث عن نصٍّ واقعي يحتمل وجعي.
والمتنبي كتب عن المجد، ولم يكتب عن امرأةٍ تخسر كبرياءها كل ليلة كي لا تخسر رجلاً.
ومحمود درويش، رغم كلّ الوطن الذي حمله،
نسي أن هناك أوطانًا صغيرة تُسمّى القلوب،
تُحتلّ بصمت، وتُنسى بلا مقاومة.
وما الموسيقى؟
شوبان كان حزينًا بما يكفي ليقترب،
لكنه لم يُجِد عزف ما في داخلي.
هو فقط اقترب من الوجع دون أن يلمسه.
أما باخ، فكان أنيقًا جدًا…
ووجعي لم يكن أنيقًا،
كان قاسيًا، ينهشني كنوتةٍ ضائعة وسط أوركسترا تُمارس النسيان.
قل لي:
ما نفع الشعراء إن لم يُشعلوا النوافذ في قلب أنثى تُشبه الغياب؟
وما نفع الرسّامين إن لم يُرسم وجعي بريشةٍ تعرفُ شكل الخراب؟
وما جدوى الموسيقى إن لم تُترجم الصمت الذي يسكنني منذ رحيلٍ لم أودّعه؟
لم تُغرِني الجوقات،
ولا قاعات الأوبرا،
ولا خشبة المسرح…
كنتُ أعزف لنفسي على مسرحٍ لا مقاعد فيه،
أصفّق لي حين أنهار،
وأُسدل الستار على مشهدٍ لم يُكتَب له نهاية.
أنا امرأة لا تصلح أن تكون بطلة لقصيدة،
قصتي بلا وزن، بلا قافية…
أنا فقط حبرٌ سال من قلم شاعرٍ نسيها في منتصف بيت،
أو لوحة أُزيلت من جدار المتحف لأن أحدهم لم يفهمها.
أنا مدينةٌ لا تظهر على خرائط الحبّ،
مآذنها صمت، وجدرانها تحفظ أسرارَ من مرّوا بها دون أن يلمسوا قلبها.
ذاكرتي تشبه مكتبةً مهجورة،
تئنّ رفوفها من ثقل الحكايات التي لم تُقرأ بعد.
وفي صدري، مرآة لا تعكس الوجوه، بل تفضح النوايا.
فلا تحدثني عن الجمال،
فقد عرفتُ وجوهاً تشبه الورد، ولكنها لا تفوح إلا بالخيانة.
ولا تخبرني عن الزمن،
فقد أوقفته عند آخر نظرة،
عند آخر كلمة،
عند آخر قلبٍ لم يعرف كيف يُحبني دون أن يُكسرني.
أعيش كمن يرمّم ظلّه،
كلما سقط الضوء… انكشفت شروخي.
أمشي على أصابع الحنين،
ولا أصل…
لا إلى باب، ولا إلى قلب،
ولا حتى إلى نفسي التي تُشبهني حين أبكي دون صوت.
وفي النهاية،
لستُ بحاجة إلى نايٍ يبكيني،
ولا ريشةٍ ترسمني،
ولا بيت شعرٍ يُقال فيّ…
أنا فقط أحتاج لصمتٍ يشبهني،
صمتٍ طويل،
كأنني لم أكن يومًا
أغنيةً في حياة أحد

21/03/2025
00:00

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...

ركلة جزاء.pdf

 عنوان الكتاب : ركلة جزاء  مجموعة مؤلفين  إشراف وتدقيق : بشرى دلهوم تصميم وتنسيق : بشرى دلهوم  الناشرة :مجلة إيلزا الأدبية للإناث سنة النشر : 21جانفي 2025 لتحميل الملف اضغط هنا  ركلة جزاء.pdf