حديث الجوع، أحلام سويسي
في إحدى قرى فلسطين الوادعة، كانت الحقول الخضراء والأشجار المثمرة تتراقص تحت أشعة الشمس. كانت
السماء صافية، تلمع فيها أشعة الشمس الدافئة وتغمر القرية بإشراقتها. يعيش في هذه القرية جوع، جوع ليس كأي جوع، بل كائن يشاهد ويشعر ويستمع .تربى و ترعرع منذ الازل بهذه الاصقاع، اصبحت له اشكال و الوان مختلفة و كل يسميه ما شاء .كان يتجول بين البيوت بسلام، يرافق الناس في حياتهم اليومية كأنه واح منهم.
كان الجوع يراقب العائلات، ان اكتمل افرادها و لم يوؤد منهم احد، وهي تجتمع حول مائدة الطعام البسيطة،
يستمع إلى ضحكات الأطفال وأحاديث الكبار. يرى كيف يكتفون بما لديهم، يقتسمون الخبز والطعام بالحب والعطاء،
فالأكل ما حضر و اللبس ما ست ر. يشعر بالدفء الذي ينبعث من تلك اللحظات العائلية، ويتمنى أن يبقى هكذا دائماً، جزءاً من حياتهم، دون أن يسبب لهم أي ألم أو معاناة. كانت الأيام هادئة، والليالي مليئة بالأمل والأحلام.
لكن فجأة، تغير كل شيء. بدأت الغارات الجوية تدوي في السماء، واهتزت القرية تحت وطأة القصف .
البساتين تحولت إلى حطام، والمزارع إلى رماد. بدأت أصوات البكاء والصراخ تحل محل ضحكات الأطفال. بدأ الجوع يشعر بتغير كبير في وجوده. لم يعد يراقب تلك اللحظات الهادئة والمليئة بالحب، بل أصبح شاهداً على الخوف والفزع.
عاين الناس يهربون من بيوتهم بحثاً عن الأمان، ولم يعد هناك طعام ولا شراب . بدأت البطون تقرقر، والأطفال
يبكون جوعاً. شعر الجوع بثقل كبير في قلبه، فقد تحول من رفيق هادئ إلى عبء لا يحُتمل. كان يرى كيف يعاني الناس، ولم يكن بيده أي حيلة. أصبح وجوده مؤلماً، وتحول كل يوم إلى صراع من أجل البقاء.
بدأ الجوع يدرك أنه لم يعد مجرد ضيف مؤقت، بل أصبح مشكلة حقيقية تؤثر على حياة الجميع. كان يرى كيف
يتبادل الأهالي القطع القليلة من الطعام فيما بينهم، وكيف يحاولون تجاوز هذه الأزمة. لكن الجوع كان يتغلغل أكثر فأكثر في كل بيت، في كل قلب، يشعر بآلامهم وبكاءهم. و استحضر يوما من أقسى ما كُتبِ في الأدب الجزائري لعبد المنعم عامر، كاتب و شاعر، عنه فقال: «كنت أنا وأخواتي ننام جائعين أغلبَ أيام طفولتنا، كانتْ أمي تكذب علينا قوموا بع دِ النجوم وسيكون لدينا الخبز.. الكثير من الخبز!
كن ا في كل مرةِ ِِ نتعب من الع د و ننام،
هكذا بقيت رؤوسنا مرفوعة حتى ونحن نت ضور جوعاً !
ماتت أختي الصغيرة وعيونها ثابتهٌ في السماء، لقد أخبرتني أمي أنها أكملت الع د !
أعطونا الكثير من الخبز يومَ جنازتها، أكلنا حتى شبعنا ونمنا، لكن أختي لم تعد أبداً إلى البيت كنت أفتقدها كل يوم لنلعب سويةَ َِ..
أمي أخبريهم أن يرجعوا أختي وليأخذوا خبزهم سأقوم أنا بالع د مكانها وليأخذوني أنا لكنهم رفضوا ولم تعد أختي !
لم تعد وأنا لا زلت أخطأ العد لليوم..
واحد
اثنان
أختي
أربعة
أبكي وأنام.
اما مشاهد الجوع في شمال قطاع غزة... لا يستطيع ان يوصفها واصف او يرويها راو.
وفي أحد الأيام ، بينما كان الجوع مارا في مخيم من المخيمات، رأى امرأة عجوزًا تعُطي حصتها من الطعام
لحفيدها الصغير، وهي تقول له: "كل، بن ي، سأكون بخير." كان يعلم أنها تكذب، وأنها تعاني بشدة من الجوع. اقترب منها و حاول اقناعها بترك حصة لها، ف رفضت بشدة و صدته ،و كان يلمح ضعفها و هوانها، فقرر أن يتحدث، أن يخبر الناس بما يشعر به، وما يراه .اجتمع الجوع في إحدى الليالي مع مشاعرهم وآلامهم التي لم تغادر صدورهم لدهور ،وقال : "أنا الجوع، أعرف أنني أصبحت ثقيلًا عليكم، وأعلم أنكم تعانون، تتحملون و تكابرون وتربطون الحجر لذي احس بثقله، على بطونكم. لكنني هنا لأذكركم بقوتكم، بوحدتكم، وبحبكم لبعضكم.لست انا من أفرق بينكم، بل وجودي حافز لتتقربوا أكثر من بعضكم، لتت شاركوا ما لديكم ،ليعين قويكم ضعيفكم، و ليسند صغيركم كبيركم ، ولتظهروا للعالم أنكم أقوى مما يتخيلون. لو لم اكن انا لما تصدق غنيكم و لما زكى ميسوركم و لما عرفتم طعم الشبع."
استمع الناس إلى صوت الجوع، وبدأوا يتحركون بقلوب مليئة بالأمل. بدأوا في تنظيم أنفسهم بشكل أفضل،
يزرعون في حدائقهم الصغيرة، يتشاركون الطعام بشكل أكثر عدلاً، ويتعاونون لمواجهة الأزمة. بدأ الأطفال يتعلمون
كيف يزرعون الخضروات، وكيف يستغلون كل قطعة أرض صغيرة. تحول الجوع من عدو إلى حليف، يذكرهم بأهمية التضامن والتعاون.
بدأ الناس يبنون مخازن طعام مشتركة، ويقومون بمبادرات لتوزيع الطعام بشكل منظم. تعاون الجميع، كباراً
وصغاراً، في زراعة الأراضي المتاحة، وفي تجميع الموارد المتبقية. كانت هذه المبادرات تجلب الأمل، وتعيد بعض الأمان إلى حياتهم. كان الجوع يراقب بفخر كيف تحولت معاناته إلى قوة دافعة للوحدة والعمل المشترك.
بمرور الوقت، بدأت القرية تستعيد بعضًا من حياتها. لم يختف الجوع تماماً، لكنه أصبح أكثر تحملاً. كانت
الأرواح قد تعافت قليلاً، والقلوب أصبحت أكثر قوة ووحدة. عاد الجوع ليكون رفيقاً هادئاً، يراقب كيف يتجاوز الناس الأزمات بعزم وإرادة .
كان الجوع يعلم أن الطريق ما زال طويلاً، وأن المعاناة لن تنتهي بين ليلة وضحاها. لكنه كان يعرف أيضاً أن
هناك أملاً، وأن الناس يستطيعون التغلب على أصعب الظروف بوحدتهم وحبهم لبعضهم. عاد الجوع ليكون جزءاً من الحياة، لكنه لم يعد عبئاً لا يحُتمل، بل أصبح رمزاً للقوة والإصرار على الحياة.
القرية، التي كانت مليئة بالخوف واليأس، بدأت تتعافى وتستعيد قوتها. كان الجوع يشاهد الأطفال يلعبون في
الحقول مجدداً، ويرى الأمهات يعدن الطعام بحب وعناية. كانت هذه اللحظات تعكس الأمل والقوة التي تملكها هذه القرية الصغيرة في مواجهة الصعاب. واستحضر صاحبنا ليو تولستوي، )ليس فقيرا أو متسولا أو مُش ردا،
كان من النبلاء في روسيا يمتلك أراضٍ واسعة وثروة طائلة، أعطى كل ثروته للفقراء والمساكين والمحتاجين والمشردين ، وعاش حياة الزُّهد.( في مقولاته الشهيرة :
"لا تحدثني كثيرا عن الدين بل دعني أرى الدين في أفعالك ."
وقال : "إذا شعرت بالألم فأنت حي، ولكن إذا شعرت بألم الآخرين فأنت إنسان".
تعليقات
إرسال تعليق