أزهري أينما حللتِ
التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أناكوندا بقلم الكاتبة دعاء محمود المصرية

أناكوندا

 وحشُ البحيراتِ يتسلّلُ ببطءٍ، يتحرّكُ بخفّةٍ لا تشعرُ بها، يلتهمُكَ على حين غرّةٍ؛ ودونَ أنْ تشعرَ تجدُ نفسَكَ فريسةً سهلةَ الابتلاعِ.

 إنَّه القلقُ ذلك الوحشُ العملاقُ الّذي يتسلّلُ إلى العقلِ يسيطرُ على خلاياهُ واحدةً تلو الأخرى يعطّلُ تروسَ التَّفكيرِ، يشلُّ الذِّهنَ، يُصدرُ إشاراتٍ عنيفةً تعملُ على فسادِ الشُّعيراتِ الّتي تُوصلُ الأوامرَ، تَوقّفٌ تامٌ عن الانفعالِ، سيطرةٌ تامةٌ له، غلبةٌ ومنعةٌ من الحراكِ والعملِ.

 قد تمّتْ المهمّةُ، وسيطرَ على مجرياتِ الأمورِ، والتَهمَ ما تبقّى منكَ.

 القلقُ ذلك الوحشُ الّذي يُفسدُ حياتَكَ، علاقاتِكَ، وصِلتَكَ بربِّكَ.

فهو يُوهنُ القلبَ، يُعرّضهُ للمرضِ، يأكلُ خلايا قلبِكَ، ويمتصُّ دمَكَ؛ فتبقى جثّةً هامدةً زرقاءَ اللَّونِ مختنقةً؛ أنتَ فريسةٌ بمحضِ إرادتِكَ، سلّمتهُ نفسَكَ دونَ أدنى مقاومةٍ، اعترافٌ منكَ بمحدوديّةِ اللَّه، وقنوطٍ من رحمتِهِ.

 حالةٌ تفقدُكَ دنياكَ، وآخرتَكَ معًا وبئسَ بها حالةً.

 ويبقى السُّؤال: هل نستسلمُ لهذا الوحشِ المرعبِ ظنًّا منَّا أنْ لا خلاصَ منه؟!

 الخلاصُ من ذلك الوحشِ لا يكونُ في المواجهةِ أو الحربِ وإنَّما في الرُّكونِ إلى الهدوءِ، الاطمئنانِ، وجلبِ طاقاتِ الأملِ.

 في التَّمسّكِ بعصمةِ الدِّينِ، وروحِ الانطلاقِ إلى الحياةِ، في قولِكَ أنَّ اللَّه قدَّرَ هذا، وهو كفيلٌ به، في دعواتٍ كثيراتٍ، في ممارسةٍ لبعضِ أشكالِ الرِّياضةِ الذِّهنيةِ - التَّأملُ، اليُوجا والتَّنفسُ العميقُ الهادئُ -، في اعتيادِ الهدوءِ والخلوةِ مع النَّفسِ يوميًا، في المشيِّ بلا هدفٍ لمدةٍ طويلةٍ.

فنحنُ نتخلّصُ من القلقِ عن طريقِ إزالتِهُ من عقولِنا كما تُزالُ البقعُ بغسلِها؛ فننظّفُ العقلَ من سيطرتِه شيئًا فشيئًا يومًا بعد يومٍ، كما يكونُ التَّخلّصُ من هذا الوحشِ عن طريقِ التَّعودِ على انزالِ الحِمْلِ عن كتفيكَ في الصّلاةِ مع الرُّكوعِ والسُّجودِ.

 في مكاشفةِ النَّفسِ بأنَّكَ لا حيلةَ لكَ، وأنَّكَ لا ترى الحلَّ مع السَّعي الدَّائمِ، وطَرْقِ كلِّ الأبوابِ الموصدةِ حتى ترى عجائبَ الحلولِ أمامَكَ.

 القلقُ حالةٌ نفسيّةٌ شديدةٌ إذا تركناها سيطرتْ علينا، وفتكتْ بنا وإذا حاربناها؛ هلكنَا.

 ولكن يكمنُ السِّرُ في التَّخلّصِ منه بطريقةِ عيشٍ مناسبةٍ، أسلوبِ حياةٍ مطمئنٍ، وركونٌ إلى اللَّه مدبّرِ الأمرِ.

الكاتبه الصَّحفية/ د. دعاء محمود مصر
 دعاء قلب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب محاربة الفيبروميالجيا

محاربة الفيبروميالجيا.pdf الكاتبة خولة بوزياني المدققة اللغوية: بشرى دلهوم إعداد وإشراف : بشرى دلهوم الناشرة مجلة إيلزا الأدبية للإناث الطبعة الأولى: 2024

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...