حنين القلم
إليكَ يا صاحبي أبثُ أشواقي الممزوجةَ بالأماني للقاءِ أناملكَ التي خطّتْ سيناريوهاتِ صداقتنا الأبديةِ، متذكراً ملامحَها البريئةَ. فهل تتذكّرُ لحظاتَها حينما كنتَ طفلاً صغيراً يلهو بأغصانِ الشجرِ الغضةِ ليصنعَ منها جنوداً من أقلامِ الرصاص؟ وهل تتذكّرُ ذلك الغصنَ الذي ما تركَ يديكَ يوماً؟
فلتنظرْ إليهِ الآنَ وهوَ يخطُ لكَ بعدَ أنْ كانتْ مَهمتهُ رسمُ بيتكَ الخشبي الصغيرَ، الذي يعلوهُ قرصاً من ضوءٍ براقٍ بجدائلٍ شقراء تتناثرُ فوقَ أحلامِكَ الشقيةِ، وهي تهربُ من سنابلِ القمحِ ظنّاً منها أنّها تلهثُ وراءَها كلما هبّتْ ريحٌ عاصفة.
ها أنا أنظرُ إليكَ الآنَ من ضريحِ علبتكَ القديمة التي رَكنتها على رفوفِ الإهمالِ والنسيانِ، لينازعني الحنينُ إليكَ كلّما فاحتْ رائحةُ حبرِ أناملكَ العطرةِ، وهي تستجدي الأقلامَ كي تحلَّ مسألةَ حسابٍ أو فرضاً من فروضكِ المدرسية. وأتساءلُ في نفسي، لماذا لم يدفعكَ الحنينُ إلى رائحةِ الخشبِ العطرةِ، المنبعثة من اناملك المبللة عندما كنتَ حزيناً؟
بل لماذا لم تجذبكَ رائحةُ تبغهِ العطرِ وهو يحترقُ بين سطورك، مُعلناً التمردَ على كلّ شيء؟ ولماذا لم تنظرْ إلى خربشاتهِ العشوائيةِ وهو يجري بلا هدفٍ، كطفلٍ أفقده الفرحُ سيطرتهُ على نفسه؟ أيعقلُ أنْ تتجاهلَ أنينَ صرخاته وهي تستجدي مبراتكَ ألا تَحُدَّ من سيوفِها لتقتلَ مجرماً هربَ من سجونِ الرواياتِ الطويلةِ إلى براحِ القصصِ القصيرةِ، آملاً بتخفيفِ الحكمِ عليه؟
أم تُديرَ ظهركَ لتناغمِ كلماتكَ وهي تَنظُمُ قصيدةً كعقدٍ جميلٍ يلفُّ أعناقَ أوراقكَ المتعطشةِ لحسنِ القولِ بعدَ طولِ صمت؟ وهل تراكَ تُشيحُ بوجهكَ عن خواطرِ نفسكَ وهي تسافرُ من حولك، ولا تجدُ مطاراً تحطُّ فيه لإفراغِ حقائبها من ضجيجِ محركاتِ الطائراتِ أو تغاريدِ العصافيرِ المحلقةِ بجانبها؟
يا صاحبي، إنَّ صمتَ أناملكَ يقتلني، ولا أعرفُ سبيلاً لإنطاقهِ غيرَ هذه الخربشاتِ التي تضجُّ بها نفسي. فهل تدلُّها على طريقٍ إليكَ لتصبحَ سطوراً مقروءةً في دفترِ مذكراتك الذي يشاركني الإقامةَ في فنادقكَ المغبرة؟ أم أنكَ ستستدعي الممحاةَ كي تمسحَ كلّ شيءٍ، قبل أنْ تتضحَ كلُّ الملامح؟
ياصاحبي ضمني إلى جيوش الأقلام مرة أخرى كلما نما غصن وازهر ، فتطلقَ رصاص بندقيتكَ نصرا بعودة نبض الحروف بعد طول الهجر.
بقلمي الرصاص
أمل العمري / الأردن
تعليقات
إرسال تعليق