مقدمة الحوار: في زمنٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتغير فيه ملامح الإعلام التقليدي بشكل غير مسبوق، يبرز دور الأكاديميين والباحثين في فهم هذه التغيرات وتقديم قراءات نقدية وتحليلية تسهم في بناء وعي جماعي جديد، وتُعيد تشكيل العلاقة بين المتلقي والمحتوى الإعلامي. من بين هذه النماذج المضيئة، يبرز اسم الدكتور صابر بڨور، أستاذ علوم الإعلام والاتصال بجامعة غرداية بالجزائر، كباحث شاب جمع بين التأصيل الأكاديمي والتجريب المهني، ليشكل تجربة فريدة تستحق التوقف عندها. ولد الدكتور صابر بڨور سنة 1988 بولاية باتنة، وسرعان ما بدأ يخط معالم طريقه العلمي بخطى واثقة، حيث حصل على شهادة الليسانس في علوم الإعلام والاتصال عام 2010، ثم الماستر سنة 2015، قبل أن يتوج مساره الأكاديمي بدكتوراه في نفس التخصص عام 2020، بمرتبة مشرف جداً. ولكن ما يميز مسيرته ليس الشهادات فقط، بل الحضور النشط في ميادين البحث والتدريب والإنتاج الإعلامي، إلى جانب مشاركاته المتعددة في ملتقيات علمية وطنية ودولية أثرت المشهد الأكاديمي العربي. لم يكتف الدكتور بڨور بالجانب النظري، بل خاض غمار التجربة الميدانية، فكان مديرًا إذاعيًا، ومؤسسًا لبودكاست ثقافي، ومصممًا للعلاقات العامة، ومحاضرًا معتمدًا في دورات التكوين الرقمي والتسويق عبر الإنترنت. كما ترك بصمة واضحة في عالم النشر العلمي، من خلال مجموعة من الكتب والمقالات المحكمة التي تناولت موضوعات حساسة مثل خطاب “داعش”، والدراما الرقمية، وقضايا الهوية، وصورة العرب في السينما الغربية. وفي هذا الحوار، نقترب أكثر من هذه الشخصية الأكاديمية المتألقة، ونسلط الضوء على أبرز محطاته، وتجاربه، وطموحاته، ونظراته العميقة لمستقبل الإعلام والاتصال في الجزائر والعالم العربي.
1:دكتور صابر، حدثنا عن بداية شغفك بمجال الإعلام والاتصال، وما الذي دفعك لاختياره تخصصًا أكاديميًا؟
لأكون صريحا، لم اختر تخصص علوم الإعلام والاتصال عن حب، تفوقت في شهادة البكالورريا سنة 2006 في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية ولم يجذبن آنذاك أي تخصص، في ذلك الوقت كانت علوم الإعلام والاتصال تخصص حديث في جامعة باتنة ولما سألت عنه وجدت فيه الكثير من المميزات، لكن لما درسته أصبح شغفي الأول وتفوقت فيه بحمد الله، دعيني في هذا السياق أقص عليك وعلى القراء الأكارم قصة ملهمة، درست أول تطبيق في منهجية البحث العلمي في السنة أولى جامعي عند أستاذي القدير زراري إبراهيم ولما رأيت عبقريته وتمكنه قررت في تلك اللحظة أن أصبح مثله؛ أستاذا جامعيا في علوم الإعلام والاتصال وفعلتها بحمد الله تعالى
2. كيف أثرت تجربتك في إدارة إذاعة رقمية وبودكاست على رؤيتك للإعلام الجديد؟
بدأت فكرة إذاعة النزيم الرقمية خلال الحجر الصحي في فترة جائحة كورونا سنة 2019، في هذا الوقت كان من الممكن تقنيا إطلاق هذا المشروع، لكن فكرته تعود إلى أيام الجامعة الأولى سنوات 2008 و 2010، رفقة رفيقة الدرب الأكاديمي والإعلامي شقيقتي الدكتورة الفاضلة فاطمة همال، التي تشرف معي على إدارة هذا المشروع الذي تحول إلى بودكاست ايثران الذي تتم صناعته منذ سنة 2024، تجربة إذاعة النزيم الرقمية ثم بودكاست إيثران سمحت لي وللفريق العامل معي على تقديم محتوى ذو جودة عالية للمتلقي الجزائري وحتى العربي على اعتبار أن الإنترنت غير محدودة الزمان والمكان، كما مكنتنا من اثراء منصات الإعلام الجديد في الجزائر ثم إثراء المحتوى الناطق باللغة العربية على الإنترنت، تتيح تكنولوجيا الاتصال والذكاء الإصطناعي اليوم لصناع المحتوى وبشكل خاص الخبراء والأكادميين عدة تقنية متكاملة لتقديم أجود أنواع المحتوى المختص وبأيسر الأساليب وفي وقت وجيز أيضا
3. بعد حصولك على الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال سنة 2020، كيف ترى الفرق بين الدراسة الأكاديمية والعمل الميداني؟
مذ كنت طالبا؛ كنت عاشقا للميدان سواء في مجال العلاقات العامة أو السمعي البصري، أما بعد حصولي على الدكتوراه، فقد تأكدت أكثر أنه كلما ارتفعت الدرجة العلمية كلما ارتفعت المهنية والاحترافية في الميدان فكلاهما يكمل الآخر
الأبحاث والمشاركات العلمية: 4. لديك مشاركات دولية ووطنية كثيرة في ملتقيات علمية، ما هي أبرز تجربة علمية شاركت فيها، ولماذا تركت أثرا خاصا لديك؟ 5.
كل تجاربي ومشاركتي العلمية مهمة جدا، لأنها تنبع من تفكير عميق في ظواهر تخصصي، وأسعى جاهدا فيها إلى تقديم الجديد والأفضل دوما في المجال الأكاديمي
كيف ترى أهمية التطرق لقضايا الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى في ملتقيات اليوم؟
يشكل هذا الموضوع حقلا جديدا في تخصصنا، ويحظى باهتمام كبير من قبل الأكاديميين في الجزائر والعالم قاطبة سواء في الملتقيات العلمية أو المقالات أو المؤلفات، من وجهة نظري أرى أنه يجب أن يولى الإعلام الرقمي وصناعة المحتوى عناية خاصة جدا من قبل المسؤولين المخولين في الدولة الجزائرية وذلك لاعتبارهما واجهة دفاعية مهمة للبلاد سواء فيما يتعلق بالمسائل السياسية الخارجية أو فيما يتعلق بحماية التراث الجزائري من السطو والنصب أو فيما يتعلق بالجانب الاجتماعي لا سيما حماية المجتمع من الآفات الاجتماعية والعمل على هندسة اجتماعية من خلال صناعة المحتوى بالشكل الذي يسمح بالارتقاء بالوعي الاجتماعي وتكوين مواطنة إيجابية ومواطن غيور على بلاده يدرك واجباته جيدا، على الصعيد الاقتصادي؛ تلعب صناعة المحتوى المتعلق بالاستثمار وريادة الأعمال في الجزائر دورا مهما في تحقيق أهداف السياسية العمومية الجزائرية اليوم التي تتجه من اقتصاد الريع البترولي إلى اقتصاد خلق الثروة والاستثمار والقيمة المضافة
من خلال مساهماتك مثل بحثك حول الدراما الرقمية، برأيك، إلى أي مدى أصبح الإعلام الرقمي مؤثرًا في تشكيل الوعي الجماعي؟
تمت الإجابة عنه في السؤال السابق
7. أصدرت كتابك “داعش برؤية الجزيرة”، كيف جاءت فكرة هذا الكتاب وما الرسالة التي أردت إيصالها للقارئ؟ 8.
هذا الكتاب هو مشروع تخرجي في الماستر، وقد قررت نشره في كتاب نظرا لأهمية الدراسة وحداثتها آنذاك (سنة نشره في 2017) تنطلق هذه الدراسة من فرض أساسي مفاده أن مواقع التواصل الاجتماعي التي تعتمد كمنصات إلكترونية للقنوات الفضائية الإخبارية، زمنٌ إعلامي جديد لإغراق المستخدمين في الوضع و بناء الواقع الاجتماعي لديهم في شكل صور ذهنية، تسعى بالتراكم و التجانس الخطابي إلى إقناعهم بأن ما يشاهدوه نسخة من الواقع الذي يعيشونه، حللت هذه الدراسة منشورات قناة الجزيرة مباشر على موقع فايسبوك بخصوص تنظيم الدولة الإسلامية في الشام و العراق إضافة إلى تحليل الخيط الخطابي الذي شكلته بوعي الجماهير الذي يظهر من خلال تعليقاتهم، و قد اعتمد الباحث على منهج تحليل الخطاب و على أربعة مداخل نظرية اثنين منها مدارس اجتماعية كبرى كالنقدية التي تعتبر وسائل الإعلام قوة ثقافية تصنع الخطابات التي تخدم القوى المهيمنة للحفاظ على الوضع الراهن و الظاهراتية التي تحاول فهم الظاهرة من خلال الاستخدام اليومي للجماهير لهذه الصفحة على الفايسبوك إلى جانب نظرية تحليل الأطر الإعلامية لجوفمان و نظرية الحتمية القيمية في الإعلام و الاتصال لعزي عبد الرحمن لمعرفة طرق تأطير هذا الخطاب الإعلامي أيديولوجيا و مخلفاته القيمية في أذهان الجماهير، و قد توصلت الدراسة إلى أن هذا الخطاب يتجه أكثر لغرس مفهوم الإرهاب في الأذهان و ربطه بمفهوم الإسلام، كما ينزح إلى تصوير الولايات المتحدة الأمريكية و إسرائيل كقوى عظمى لا تهزم و بأن التعاون العربي الإسرائيلي واقع يجب تقبله، هذا و تعتبر أهم نتيجة إصرار هذا الخطاب على تغليف السياق الاقتصادي و الاجتماعي للصراع في منطقة الشرق الأوسط بالحتمية الدينية من خلال تعميق التطاحن بين السنة و الشيعة كأحد عوامل ظهور تنظيم الدولة الإسلامية في الشام و العراق محاولا إبعاد الوعي عن طبيعة الصراع الاقتصادي و النابع من الرغبة في التحكم كمظهر جديد للاستعمار و ذلك من خلال التعزيز اللساني للموقف لتثبيته و النزوح للعرض الدرامي له مما يعكس الوعي الجماهيري حيال تنظيم الدولة الإسلامية في الشام و العراق في عنف اللسان و انهيار قيمي بفعل التشويش الإدراكي الراجع إلى التقسيم و التفتيت و كثرة الفواعل و الهويات المرتبطة بالظاهرة
كتبت العديد من المقالات العلمية، أي من هذه المقالات تعتبرها الأكثر قربًا لقلبك ولماذا؟
في العلم لا يوجد شيء اسمه مقال أقرب لقلبك، أرجو حذف هذا السؤال
ما هي برأيك أبرز التحديات التي تواجه الإعلام الأكاديمي في الجزائر والمنطقة العربية عمومًا؟
لا يوجد شيء اسمه الإعلام الأكاديمي، أرجو حذف السؤال
10. كيف تنظر إلى مستقبل الإعلام الرقمي في ظل تطور الذكاء الاصطناعي وخوارزميات التواصل الاجتماعي؟
بشكل عام لن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في مجال الإعلام الرقمي أو أي مجال آخر، لأن العقل البشري هو من ابتكر الآلة وهو من يتحكم فيها ويطورها وستبقى تابعة له دوما، كما أرى أن التعاون بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي يعطي نتائج مذهلة لأنه اختصار للوقت والجهد بشكل غير مسبوق
11. من خلال تجربتك الأكاديمية والمهنية، ما النصيحة التي تقدمها لطلبة الإعلام الجدد؟ الشغف ثم العمل الجاد والاجتهاد العميق والله لا يضيع أجر من أحسن عملا
إلى جانب الإعلام، ما الهوايات أو الاهتمامات التي تحب ممارستها؟
هوايتي هي القراءة والكتابة خصوصا في مجال الأدب وروايتي الأولى التي تحمل عنوان أنكراي؛ قيد الإصدار عن دار النشر الأردنية الآن ناشرون وموزعون وسترى النور نهاية الشهر الجاري بحول الله
13. كيف توفق بين مشاغلك الأكاديمية والنشر العلمي وإدارة المشاريع الإعلامية؟ 14
بالعمل الجاد والجهد المضني، ثم تنظيم الوقت والأهداف والله المستعان
. كلمة أخيرة توجهها لقراءنا، وللشباب الطامحين لدخول عالم الإعلام
كل الصعاب تتذلل أمام العمل الجاد، وكل الأحلام تصبح صغيرة أمام الطموح الكبير والأهداف المدروسة والمضبوطة، أما عن الإعلام فيحتاج أولا وقبل كل شيء إلى الأخلاق والصدق والأمانة في التعامل مع المعلومة ونقلها للمتلقي
15 صابر بقور في كلمة
هوية متفردة جدا، طموح جارف وأحلام تبلغ عنان السماء
شكرا لكم
خاتمة الحوار:
بهذه الروح المليئة بالشغف، والعمل الدؤوب، والرؤية العميقة لمستقبل الإعلام، يثبت الدكتور صابر بڨور أن النجاح الأكاديمي لا يكتمل إلا بالتجربة الميدانية، وأن الإيمان بقيمة المعرفة والعمل يمكن أن يصنع الفارق في عالم متغير بوتيرة متسارعة.
من الجامعة إلى الإذاعة الرقمية، ومن البحث العلمي إلى صناعة المحتوى الهادف، يرسم الدكتور صابر مسارًا يُلهم شباب الإعلام ويؤكد أن التميز ليس صدفة، بل هو نتيجة اجتهاد مستمر وطموح لا يعرف السكون.
شكراً للدكتور صابر بڨور على هذا اللقاء الثري، ونتمنى له مزيدًا من التألق في خدمة العلم والمجتمع، ولشبابنا الطموح: اجعلوا من قصص النجاح منارات تهديكم في دروب المستقبل
المؤسسة مجلة إيلزا الأدبية للإناث الجزائرية
المديرة بشرى دلهوم الجزائرية
الصحفية أسماء أڨيس / الجزائر /فرنسا
تعليقات
إرسال تعليق