السلام عليكم
أولا: تحياتي لك وإن كنتُ مجهولا عندك
لا يهم، فإنه من الجيد أن نستطيع التواصل مع الكُتَّاب، أولائك الذين خلقهم الله من طينة أخرى كما قالت الكاتبة نجاة إدهان في كتابها "سما: هبة الله للارض نساء" (وقد ذكّرني كتابُك بتأليفِها)، حيث أننا لا نستطيع التواصل مع طه حسين فنخبره بما أثارت فينا حكاية الايام مثلا، وكيف تمكّن من وصف ما استطاع وصفَه وهو ضرير، أو بن حزم الأندلسي فنتناقش معه ما كتبه مثلا في طوق الحمامة للأُلفة والألاف الخ الخ الخ...
ثانيا: صحيح أنني لستُ من هواة الروايات الرومانسية ولا الخيال العلمي ولا الفنتازيا وقد تبيّن، في نهاية المطاف (قبل أن أُنهي المطاف)
أنّها رومانسية بالأساس كما أشرتَ في أول الكتاب عند تعليمات القراءة فأحسستُ أنّني وقعتُ في الفخ))
ولكن أسعفني، أو ربّما أسعفك، ما فيها من أبعاد فلسفية وإنسانية أيضا كما قلتَ...
ثالثا: أنا لا أحب اقتناء الكتب إلكترونيا فإنني أشعر أن الكتاب مثل شريك العمر، على الأقدار أن تجمعك به، وليس عليك أن تطلُبَه إلكترونيا (ولو أنني على استعداد أن أغير وجهة نظري، أمام حُمّى الكتاب هذه التي أصابتني منذ شهور، كلما خبت زادت سعيرا (منذ أن تفاجأتُ بمعرضٍ للكتاب في شارع الحبيب بورقيبة)
وقد جمعني القدر فعلا بكتابك هذا الذي لم أكن أتوقع محتواه بهذا الشكل أبدا (حسب تصوّري المبدئي للعنوان وما نشرتَه من إشهارات عنه).
رابعا: كنت في صدد قراءة رواية طويلة للكاتبة خولة حمدي: سماء بلا ضياء حجر الشمس (وهي رواية خيالية، وقد تتساءل لماذا أقرؤها وقد قلتُ للتو أنني لا أحب الخيال والفنتازيا، ولكنني كنت فضولية للمغامرة الجديدة للكاتبة بنوعها الجديد من الروايات التي لم توعوِّدنا به فأردتُ أن أكون من أول المكتشفين بحكم أنني من مُعجبيها) وقد وصلتُ لمنتصفها، عندما شاءت الأقدار أن ألتقي بكتابك صدفة(ربما أصبحت أكثر تركيزا على نقاط بيع الكتب التي ربما كانت تعترضني ولم أكن أُلقي لها بالا على عكس ما كان يشغل بالي أكثر: الأكل) للمرضى فقط؟ هل يجب أن أكون مريضة كي أقرأ كتابك؟ لا بأس بالإكتشاف...
قرأتُ الإهداء أولا (كعادتي) فالإهداء بالنسبة لي مهم بقدر أهمية الكتاب.
لقد جعلتَني أضحك، أضحك مِلْأ شدقيّ، فقلتُ ربما هذا الكتاب كوميديا سوداء؟ أحب هذا الأسلوب. ربما
قد يكون مثل كتاب المتشائل؟
الذي يتحدث عن سعيدأبي النحس ؟
الإهداء الآخر أيضا كان ضريفا، وخاصة عندما تحدثتَ عن المهدية... المهدية مسقط رأس والديَّ، ولي فيها مآرب أخرى....
كل هذه أسباب دفعتني أن أُغيّرَ محطّتي تماما باتجاه كتابك كي أقرأه كما طرحتَ في تعاليمه... حتى لا أقع في مصيبة أخرى...
خامسا: بدأتُ أنغمس في كتابك، أعجبني المزيج الذي استعملتَه بين الخيال والحقيقة، بين تصوُّرِك للإنسان قبل البعث وماهي عليه حقيقتُه الآن تماما كما وصفتَ. أعجبني أسلوبُك الفريد الذي تأرجحَ بين شخصِكَ كراوٍ وتدخّل البطلة كراوية، تأرجُحا أربكني بادئ ذي بدئٍ جعلني أتساءل كيف يكون الكاتب ذكرا والراوي انثى وقد تبين ذلك من حديثك عن الانسان وهو في السماء مع الملائكة وكيف يصبو للنزول إلى الأرض في محاكاة رائعة لموافقة الانسان على حمل الأمانة وخوض امتحان وبلاء وشقاء الارض ثم تستدرجنا بكلامك إلى أن صُدمنا مع الأب من جنس المولود تماما كما صُدِمنا من جنس الراوي. ثم إنك استكملتَ طرحَك كأنّك مسكتَ مقودا وصرت تقود بجنون ولكنك كنت تتحكم جيدا بالآلة وتحط بنا في بر الأمان في كل مرة خلنا أنه الاصطدام المميت. رُبَّما لو استطردتُ في الوصف كنتُ سأكتب كتابا أصف فيه كتابك هذا الذي أقل ما يمكن أن أقول فيه أنه أبهرني: بأسلوبه الفريد، بذكاء سير الأحداث، بروعة الوصف والتشابيه، بروعة تدخل الشخصيات وتسلسل الاحداث، بهذا التزاوج العجيب بين الخواطر والفلسفة الشخصية والرؤية التاريخية للأشياء، بمراوغاتك وشطحاتك المتكررة دون الاخلال بتوازن الرواية في أسلوبها الفريد من نوعه وغير المعهود الذي ابتكرتَه... لم تخلُ روايتُك من التشويق ولا أُنكرُ أنها شدّتني كي أُكملَها دفعة واحدة كما نصحتَ...
لم أجد أي صعوبة في فهم الأحداث والشخصيات رغم المنعرجات الخطيرة التي اتخذتَها بين الشخصيات والتراوح بين الرواة، ورغم العلو الذي أخذتنا إليه حذو الملائكة وأصل الخلق وجينات الجسد، لأنك، بصورة أو بأخرى، جعلتنا نضع أقدامنا على الأرض في سلام كما ننزل من قطار الملاهي الذي انقطعت فيه أنفاسُنا... ثم إنك قد طرحتَ موضوعا مُهمًّا جعلني أتذكر ما تطرقت له نجاة إدهان في كتابها السابقِ ذكْرُه، وهذا ليس غريبا منها كامرأة، أما أنت فرجل يصف معاناة المرأة مع سطوة الرجل كأنك عشتَ دورَها في يوم من الايام...
أخيرا وجدنا منكم رجلا رشيدا يدافع عن المرأة في جميع علاقاتها مع مختلف عناصر المجتمع: الاب الاخ الام وخاصة الزوج، الخ...
لم أكن أعلم أنّ منكم رجلا رشيدا، حتى قرأتُ لك هذا الكتاب حتى أطمئن وأموت بسلام...
المرأة المكلومة من الأزل، وإلى الآن، في القرن الواحد والعشرين لا تزال مكلومة ولكن بطرق مختلفة وبشدَّةٍ ومستوياتٍ مختلفة... صحيح أنه لم يعد هناك وأد البنات، لم يعد هناك ربما زواج بالغصب، ولكنّ صفحتَك الأخيرة لن تقنعني أنك حقا تقصد أن حكاية لور خيالية في عصرنا هذا، وربما أردتَ أن تُلفِتَ انتباه الذكور أنّ ما يفعلونه إلى الآن وما سيفعلونه بالمرأة لقيام الساعة مخجل وعار عليهم وقد كانت آخر وصايا النبي لهم، كأنه يعلم ما سيبقى عليه من ظلم وقهر للمرأة ولو بأشكال مختلفة قد أتقنتَ طرحَها ويضيق المجال هنا للتوسع فيها... كأنك تقول أن ما يصير اليوم يبدو خياليا ومن المفروض ان لا يكون موجودا ولكنه موجود للأسف... فعلينا المحاربة لرفع الظلم نساءً ويا حبذا رجالا راشدين مثلَك... تؤخَذُ الدنيا غلابا، وكذا فلسطين سيأخذُها شعبُها العظيم غلابا ان شاء الله، ويُشرِّفنا أن يكون من منهم فينا....
سادسا: بما أنك تملّصتَ من مسؤولية فهمنا لأحداث الرواية فتملّص إذن من رؤيتِنا لعنوان مُحتَملٍ لهذه الرواية: قد تكون للنساء فقط؟ قد تكون: أليس منكم رجلٌ رشيد؟ قد تكون: نساء بلادي نساء ونصف؟ قد تكون: مرض اسمه الذكور والذكور كثير والرجال قليل؟ لستُ أدري... ولكن لا أُنكِرُ أن اختيارك للعنوان كان مُوفَّقاً من حيث شطحاتك في الكتابة، شطحات البطلة، وشطحات الشخصيات التي تطاردُها....
ولكن روايتك بالأساس ليست رومانسية فقط بل فلسفية ونقدية لواقع علاقة المرأة مع الرجل، أو بالأحرى مع الذكر أولا، والأمراض النفسية التي تنجر عنها ربما في مستوى أقل...
فبدل أن يضلع الرجُل بدوره الذي كلّفَه الله به، فيحتوي المرأة ويحميها ويرفق بها (فهذا كان أقصى طموح لور)، وضع نفسَه في صراع خفي معها فبدل أن يستأنس بعضهم ببعض أصبح كل طرف منهما وحيدا... والوحدة والفراغ أساس الأمراض...
سابعا: شكل الكتاب وصورتُه كان موَفَّقًا للغاية، وأستطيع الإعتراف أن لكل منا مرضُهُ، نُجاهدُه ما استطعنا إلى أن نلقى ربَّنا مغفورين إن شاء الله... ولكل منا نصف وجه في كتابك ولعلي وجدتُ فيه ثلاثة ارباع وجهي...
نبذة عن الكاتب: طبيبة مختصة في تونس ولديها تجربة سابقة في الكتابة المتمثلة في تأليف بعنوان رسائل إلى سيف الذي تم نشره حديثا في مصر وقد تحصل هناك على شهادة تقدير من المجلس المصري للثقافة والعلوم والفنون (دكتوراه فخرية).
الكاتبة هادية قننة / تونس
تعليقات
إرسال تعليق