مقدمة الحوار
في عالم يموج بالتحولات، تظل الكتابة الحقيقية قادرة على الإمساك بخيوط التاريخ، وطرح أسئلته المتجددة على الحاضر والمستقبل. الكاتب الطيب صياد هو أحد تلك الأصوات الأدبية التي استطاعت أن تنقل القارئ عبر نصوصها من عوالم الواقع إلى عمق المخطوطات والأرشيف، ومن متاهات السياسة والفكر إلى نبض الإنسان البسيط.
خريج قسم اللغة العربية والدراسات القرآنية من جامعة الجزائر، شاعر وروائي ومدقق لغوي، كتب في عدة منصات ورقية وإلكترونية، وحاز تقدير الوسط الأدبي من خلال مشروعه الروائي الذي يضم ثلاثية بارزة: الرواية العثمانية، متاهة قرطبة، وبيت آسيا قرمزلي، التي نالت جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب.
في هذا الحوار مع مجلة إيلزا الألكترونية ، نقترب من عوالم الطيب صياد، لنكتشف رؤيته تجاه الكتابة والتاريخ، ونفك شيفرة تداخل الأزمنة والأفكار في أعماله التي تجمع بين الهمّ الثقافي والسرد المشوّق
1. بدايةً، دعنا نطرح السؤال الذي لا يغيب عن أي لقاء أدبي: من هو الطيب صياد بعيدًا عن الألقاب والسير الذاتية؟
هو فعلا سؤال لا يغيب عن أي لقاء أو حوار أدبي، لذا سأوجز القول فيه: الطيب صياد ابن الستة والثلاثين عاما، أكتب في الرواية والشعر والمقالة، وأكتب في مجال الدراسات المتعلقة باللغة العربية والعلوم الإسلامية، مدقق لغوي مضى عليَّ دهر طويل في هذه الحرفة المرهقة.
2. درست اللغة العربية والدراسات القرآنية، وها أنت روائي وشاعر ومدقق لغوي وكاتب مقالات، كيف انعكس هذا التكوين المتنوع على رؤيتك الأدبية؟
تربيت على حب العربية من خلال والدتي الكريمة حفظها الله، ومن خلال المدرسة الابتدائية، لهذا اخترت أن أتخصص في دراسة علوم اللغة العربية بعد أن تحصلت على الباكالوريا، كان التخصص الذي اخترته يجمع بين علوم اللغة وبين الدراسات الشرعية، وأنا أعُدُّه أفضل مجال أكاديمي لأنه يجمع بين عدة مجالات معرفية تساهم في تنمية عملية التفكير لدى الباحث وتوفر له موارد علمية ثرية ومتنوعة ليرفع من حصيلته وينطلق في مسارات بحثية متعددة، وقد عملتُ أنا على استغلال هذا التخصص في تنمية مهاراتي الكتابية في الجانب الأدبي، وأعتقد أن هذا يظهر كلونٍ لا يكاد يخفى على نصوصي المنشورة.
3. تمتلك أربع روايات بارزة: «العثمانية»، «بيت آسيا قرمزلي»، «متاهة قرطبة»، وغيرها… هل يمكننا اعتبارها مشروعًا متسلسلًا يشتغل على فكرة واحدة بأزمنة متعددة؟
في نظري؛ الكاتب الذي لا يمتلك مشروعا فكريا أو ثقافيا معينا ومحددا سيخسر الكثير من قدرته على التأثير والتغيير، الأمر أشبه بمن لديه أموال ضخمة ولكن ليست لديه رؤية لاستثمارها، فهو ينفقها على شهواته دون انضباط ولا عقلانية، سيأتي اليوم الذي تنتهي فيه تلك الأموال حتما حتى لو طال الأمر، أما الإنسان ذو الاستراتيجية القائمة على الاستثمار فإن أمواله ستظلُّ تتحرك وتنمو حتى لو بدأ من مبلغ زهيد، هذا بالضبط هو الفرق بين كاتب ذي مشروع فكري – ثقافي وبين كاتب يرمي بالنصوص على هواه، أنا لا أستطيع أن أزكي أعمالي الروائية فهذا من عمل القراء والنقاد، لكني أشتغل على مناطق محددة في الثقافة والفكر، فالثلاثية "العثمانية – متاهة قرطبة – بيت آسيا قرمزلي" هي محاولة لتنوير القارئ في جانب مهم هو الصراع الحضاري الذي أساسه هو سؤال: من يكتسب المعلومة؟ من يملك المعرفة؟ وكيف تنشأ الحضارة وكيف تتحدد شخصية الأمة؟ وذلك عبر قصة اعتمدت فيها على مخطوطة أندلسية وكيف كُتبت في القرن الثالث الهجري وكيف تنقلت بين حواضر العالم الإسلامي وما ظروف اختفائها وكيف تتجلى حروب العلم والمعرفة في عصرنا؟
4. ما الذي دفعك لتخصيص مساحة سردية واسعة للأرشيف والمخطوطات، كما ظهر جليًا في «بيت آسيا قرمزلي»؟ ولماذا بطلتك في هذه الرواية، تحمل همّ الحفاظ على الأرشيف الوطني وتواجه تحديات تهدد حياتها، هل هذه الشخصية مستوحاة من واقعٍ معاصر أم هي محض خيال؟
كما أشرت في الجواب السابق؛ لقد أهمَّني كثيرا سؤال المعرفة وكيف تكون أداة قوة في يد الأمة، تمثل المخطوطات العربية جزءًا ضخما من المعرفة الإنسانية لأنها وثَّقت أهم مرحلة في تاريخ العلوم وتطورها (كل العلوم حرفيًّا)، هذا الإرث الزاخر لا يمكننا أن نغفل عنه ونحن في عصر العلم، إن كل كلمة هي معلومة وكل معلومة هي عامل قوة، والأرشيف ليس سوى جزء من تراثنا المخطوط، وقد ناضلت الأستاذة المغدورة عائشة غطاس رحمه الله في سبيل الكشف عن أرشيفنا الوطني، وتعرضت من أجل ذلك إلى عملية اغتيال غادرة في منزلها، ولأجل هذا بالضبط كانت ثلاثيتي، ولأجل هذا بالضبط كانت "بيت آسيا قرمزلي".
5. «بيت آسيا قرمزلي» حصدت جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب، ما الذي يجعل هذه الرواية، برأيك، تحظى بهذا التقدير النقدي.
لم أكن أتفاءل كثيرا بالنجاحات في الجوائز، لأني حينما انطلقت في الكتابة لم أكن عازما لا على النشر ولا على التسابق في نيل الجوائز، لكن التجربة التي امتدت عشر سنوات في كتابة الثلاثية جعلتني أتعلم كثيرا وأطور من نفسي عبر تنويع القراءة والإصغاء للقراء وآرائهم فيما أكتب، أظن أن "بيت آسيا قرمزلي" كانت تتويجا لتلك السنوات العشر من العمل والتطوير، جائزة رئيس الجمهورية إنما نِلتُها على تلك السنوات وليس فقط على رواية بيت آسيا.
6. في روايتك «متاهة قرطبة»، نجد مزجًا بين التاريخ والفلسفة، كيف تتعامل مع أدواتك البحثية لتعيد بناء مثل هذه العوالم؟
أرى أن الرواية نوع من تبليغ المعرفة، لهذا أحرص على أن تكون كل كلمة أكتبها ذات حمولة معرفية ما، وهذا ما يجعلني أتريث كثيرا قبل أن أخُطَّ أي كلمة، أحيانا أتوقف عن الكتابة فقط لأجل توثيق معلومة ترغمني على قراءة مجموعة من الأعمال سواء الكتب أو المقالات، "متاهة قرطبة" كانت تجربة مختلفة ضمن الثلاثية، سواء من حيث الأسلوب الذي طغى عليه الرمز واللغة الصوفية، أو على مستوى البنية الفنية للرواية التي جاء في شكل حوار نفسي مطول أخذ أكبر مساحة من النص، وهذا الطابع جاء نتيجة فكرة الرواية، فهي إعادة لكتابة "العثمانية" بصورة مختلفة، فبينما كانت "العثمانية" تتحرك في مسرح أحداث واقعي وبمنطق فيزيائي عادي وطبيعي؛ فإن "متاهة قرطبة" أتتْ لتنقل الأحداث إلى مستوى ما وراء طبيعي، وتجرد الزمن من قيمته الفيزيائية، وتجعل شخصية البطل يعيش داخل عالم ليس له حدود في الزمان والمكان، فهو خلال مدة الاحتجاز الذي تعرض له في جبل معزول بمنطقة نائية؛ قد دخل في حالة تأمل نفسية أدت به إلى محو كل الحدو الفيزيائية واستحضار شخصيات وأزمنة وأحداث من تواريخ مختلفة ليصبح الجميع في صعيد مُساءَلة واحد، هذه المُساءَلة هي التي سوف تأخذ به تدريجيا للعودة إلى عالمه الواقعي والجواب عن الاستفسار الذي ظل يؤرقه: لماذا جرى اختطافه؟ وما علاقة المخطوطة الأندلسية بذلك؟
7. نلاحظ في أعمالك مزيجًا بين التحقيق البوليسي والسرد التاريخي، تحديدًا في «بيت آسيا قرمزلي»، ما الذي أغراك بهذا التداخل النوعي؟
هي في الواقع؛ لا شيء يُغرِي لمجرد الإغراء، طبيعة الموضوع أظنها هي التي تُملي على الكاتب كيف سيكتبه روايته، جريمة اغتيال "آسيا قرمزلي" وقصة حياتها المملوءة بشغف المعرفة والبحث عن الحقيقة وتحقيق المخطوطات والأرشيف؛ كل ذلك يتطلب نوعا من الكتابة الروائية الاستقصائية مع استراحة في سرد التاريخ روائيًّا.
8. كيف ترى العلاقة بين التاريخ والأدب؟ وهل تعتبر الرواية أداة قادرة على مساءلة الروايات الرسمية وإعادة كتابة التاريخ؟
الأدب جزءٌ من عملية التأريخ، فقد باتت النصوص الأدبية القديمة تُستخدم عبر علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان / الإِناسة) لاكتشاف حقائق تاريخية كانت غائبة أو غامضة في كتب التاريخ الأساسي، فكل ما نكتبه هو جزء من سيرورة التاريخ، سواء الرواية أو غيرها من الأجناس الأدبية: نحن نكتبها لأننا نؤرخ لأنفسنا وما يدور حولنا شئنا ذلك أم أبينا، أما ذلك الاصطدام بين التاريخ الرسمي وبين محاولات إعادة كتابته روائيًّا فهذا يتلخص تقريبا في أنه ليس على الروائي أن يفرض خيالاته الأدبية على حقائق التاريخ التي ثبتت عنده بما لا مجال للارتياب فيه، نعم؛ إذا لم يحصل على قناعة واضحة بشأن حدث تاريخي ما فله أن يتوسع في عملية التخييل ما دام أنه ليس هناك أساس علمي متين يمنع تلك العملية.
9. عملية الكتابة التي تعتمد على البحث التاريخي والتوثيق، لا شك أنها مرهقة، كيف توفق بين متعة الكتابة وصعوبتها البحثية؟
متاعب الكتابة جزء من المتعة التي يعيشها الكاتب، بل هي جزء من القصة التي يريد الكاتب أن يعيشها، ليس هناك شيء مجاني، بذل الطاقة واستنفاد الوسع وتمضية الزمن في الاشتغال والبحث والتصحيح والتنقيح والزيادة والنقصان والمحو وإعادة الكتابة؛ كل ذلك هو جهد طبيعي ليخرج العمل كما تريد أو على الأقل قريبا مما تريد، في عملي الروائي الأخير الذي ربما يصدر هذا العام 2025 كانت القصة تتطلب مجموعة من الأسفار، ولأن ذلك غير ممكن لي في هذا الوقت وجدتٌّني أتجول في أمكنة الرواية عبر خرائط غوغل، وصف شارع واحد يتطلب منك النظر ألف مرة في عدد كبير من الخرائط التفصيلية وحساب المسافات وتحديد مواقع الأمكنة والتناسب بينها بدقة، يجب أن يكون الأمر منطقيا حين يشرَع القارئ في قراءة الرواية، وأن لا يحس بأي خلل في المكان وجغرافية الأحداث، إنجاز ذلك هو عبء كبير يفرضه الكاتب على نفسه ويفرضه النص بما لا مجال للنقاش فيه!
10. من خلال اطلاعك على واقع الأرشيف والمخطوطات، كيف تُقَيِّم اليوم جهود الحفاظ على التراث الثقافي العربي والإسلامي؟
هناك مؤسسات عربية (في الجزيرة العربية خصوصا) تعمل على الحفاظ على التراث المكتوب وهناك جهود فردية انطلقت منذ أكثر من قرن ونصف قرن على امتداد جغرافية العالم الإسلامي والحواضر التي كانت إسلامية (الأندلس على سبيل المثال)، وعمليات الرقمنة تجري على قدم وساق، وقد شاركتُ شخصيا عام 2015 في أحد برامج فهرسة المخطوطات العربية مع مؤسسة الفرقان وهي مملوكة لأحد رجال الأعمال السعوديين ومقرها في بريطانيا، كنا نعمل في فرق بحثية لفهرسة المخطوطات بطرق علمية حديثة، لتكوين قاعدة بيانات ضخمة تكون في متناول الباحثين والمحققين، في الجزائر لا أظن أن لدينا برنامج دولة بهذا المستوى، وأنا من خلال ثلاثيتي الروائية دعوتُ وزارة الثقافة لتعمل على إطلاق برامج عصرية ممولة لحفظ التراث المخطوط وتحقيقه ورقمنته..
11. إلى جانب الرواية، لديك حضور في الشعر والمقال الصحفي، كيف توزّع بين هذه الأنواع الأدبية دون أن تطغى إحداها على الأخرى؟
الكتابة عملية سَيَلَان، تتسرب من ذهن الكاتب كلما اقتضت ضرورة الحال، فتخرج إما على شكل قصيدة أو رواية أو مقالة أو خاطرة، هناك شيء ما في الداخل يصُبُّ الأفكار في قالبٍ شعري أو روائي أو في قوالب أخرى، كل شيء ينبع من الداخل العميق.
12. كيف وجدت تفاعل القارئ الجزائري والعربي مع أعمالك؟ وهل هناك عمل شعرت بأنه لامس القارئ بشكل خاص أكثر من غيره؟
لا يمكن الحديث عن قارئ عربي في الحالة الجزائرية، لأن الكتب التي ننشرها لا تتعدى حدود بلادنا مع الأسف، وهذا راجع إلى البيروقراطية التي تمارسها الدولة في توزيع الكتب خارج الجزائر، لذا ليس لدي تصور عن كيف يتفاعل القارئ العربي مع نصوصنا التي نكتبها في الجزائر ما عدا حالات فردية يقتني فيها صديقٌ ما من خارج البلد كتابك وال يصل إليه إلا بصعوبة، أما القارئ الجزائري فهو شخص نادر، لأنه ليس لدينا شعب قارئ بكل صراحة، الجزائريون لا يقرأون، لا يخصصون جزءا من رواتبهم للقراءة، وسواء ذلك بسبب طغيان الرداءة في الإعلام المرئي و"تفشي الثقافة السطحية" وانحراف المناهج المدرسية عن توجيه التلاميذ والطلاب إلى شغف المطالعة وتقديس الكتاب أو بسبب غلاء المعيشة وانهيار القدرة الشرائية لتأمين أدنى حد من الحياة الكريمة وهو ما يعني الاستغناء عن شراء الكتب التي تُطبَع وتوزع بمبالغ غير منطقية.. في كل تلك الأحوال نحن نفتقد ذلك الجزائري المثقف القارئ الذي لديه إحاطة بجديد الكتب والإصدارات ويتابع ما يستجد في ساحة الأدب والثقافة، ومع ذلك فقد لمستُ من خلال تجربتي الثلاثية أن هناك جزءًا لا بأس به من القراء الأوفياء الذين استطاعوا متابعة إنتاجي الأدبي خلال هذه السنوات، لا أزعم ولا أحب تسميتهم بالجمهور لأن هذا غير متطابق مع الواقع لا عددًا ولا اصطلاحا، ولكن أتفاءل هكذا دون سبب واضح بأن في قادم الزمن تحوُّلًا إلى ثقافة المطالعة داخل البيوت الجزائرية.
13. من موقعك كمدقق لغوي أيضًا، كيف ترى مستوى العناية باللغة لدى الكُتّاب الشباب اليوم؟ وهل ترى خطرًا على العربية الفصحى في ظل الكتابة المعاصرة؟
الصواب أن نقول (من موقعك مدققًا لغويًّا) لأنه لا يصح إقحام كاف التشبيه هنا، هذه الصياغة هي ترجمة حرفية عن بعض اللغات الأوروبية مثل الإنجليزية إذ تجده يقولون (As a company manager, what do you think about the work results?) وقد انتقد هذا الأسلوب الأديب اللغوي تقي الدين الهلالي في كتابه "تقويم اللسانين"، طبعا أنا ذكرت هذا من باب الممازحة وليس الانتقاد، وإلا فهو أسلوب تفشى عند الأدباء والصحفيين على حد السواء، ولكن أحببت أن أشير أن العربية الفصيحة لا يمكنها أن تعاني من أي خطورة مهما بالَغ المهاجمون في هجماتهم ومهما تخلف أبناؤها عن الدفاع عنها، لأنها لغة مرتبطة أساسا بالدِّين وبالكتاب المقدس لهذا الدين وبالعبادات الأساسية له، واللغة حين تكون جزءا من المقدس فإنها سوف تبقى حية أبد الدهر، ومن جانب ثانٍ هي لغة مرنة لأنها اشتقاقية واللغات الاشتقاقية قادرة بما لديها من مرونة عالية على الحفاظ على نفسها مع تطوير أساليبها في البقاء، ومن جانب آخر هناك مشاريع مالية ضخمة في الخليج تشجع على الكتابة بالعربية الفصيحة سواء الكتابة العلمية أو الأدبية، والمال رافد أساسي لاستمرار الحياة: حياة البشر وحياة اللغات.
14. وأخيرًا، بعد هذا المشروع الروائي الممتد، ما هي الخطوة القادمة للطيب صياد؟ هل تفكر بالخروج من عباءة الرواية التاريخية إلى مغامرة أدبية جديدة؟
ثلاثية "العثمانية، متاهة قرطبة، بيت آسيا قرمزلي" أو (ثلاثية: التردد والتأمل والتخلص) هي فعلا نصوص تستند إلى أحداث تاريخية في بنائها وتطورها، لكنها ليست روايات تاريخية، هي روايات تراثية أي تستخدم التراث جوهرا في نشوء القصة وتشعباتها، حتى حين شرعت في كتابة الرواية الرابعة وهي قصة مختلفة تماما -وكما أشرت قد تصدر هذا العام-؛ ألفيتُني لم أخرج من عباءة التاريخ والتراث فعلًا، فالقصة تغوص في عمق التاريخ الموغل في القِدَم لتستنبط منه شيئًا ما وتغرسه في وقتنا الحاضر وتجعل الناس يتشاكسون فيه، أظن أنه علي العودة والتذكير بما ورد في سؤالكم الثالث وما سجلتُه من جواب؛ ألا وهو أن الكاتب الحقيقي هو الذي لديه رؤية واضحة للتمحور على مشروع فكري وثقافي معين، ولأجله يكتب نصوصه ويسرُدُ أقاصيصَه.
ختاما نشكر الكاتب و روائي لأخذنا
في رحلته عبر عوالم الطيب صياد، لمسنا شغفه العميق بالتاريخ وسرده الإبداعي الذي يجمع بين البحث الدقيق والمتعة الحكائية. لقد كشف لنا عن رؤيته للكتابة بوصفها وسيلة لفهم الماضي واستنطاقه، وإعادة طرح الأسئلة التي لا تزال تشغل الإنسان في حاضره ومستقبله.
من خلال أعماله، استطاع أن يحيي شخصيات وأزمنة منسية، ويمنحها صوتًا في مشهد أدبي يزداد تعقيدًا، لكنه يبقى بحاجة إلى من يستنطقه بصدق ورؤية متبصرة. وبينما يواصل مشروعه السردي الطموح، يبقى الطيب صياد أحد الأصوات التي تثري المكتبة العربية، وتفتح أمام القارئ أبوابًا جديدة للتأمل والتساؤل.
تعليقات
إرسال تعليق