مجلة “إيلزا” في فقرة “شخصية في أسبوع” تعرفكم هذا الأسبوع على الأستاذ فضيل الجزائري…
يسر مجلة إيلزا أن تستضيف قلمًا فكريًا وأدبيًا متميزًا، الأستاذ فضيل الجزائري، الباحث الموسوعي الذي جمع بين العلوم الطبيعية والفلسفة الإسلامية والعرفان، إلى جانب شغفه العميق بالأدب واللسانيات. من دراسته للفيزياء النظرية إلى تأمله في الإلهيات وفلسفة الدين، أسس لنفسه منهجًا فكريًا متينًا يجمع بين التحليل العقلي والذوق الأدبي. في هذا العدد، يشاركنا الأستاذ فضيل بفكره العميق وتجربته الثرية، إيمانًا منه بأن المعرفة رحلة مستمرة، وأن الأدب والفكر وجهان لحقيقة واحدة.
سيرة مختصرة للأستاذ فضيل الجزائري
ولدت في ولاية بومرداس ودرست في العاصمة في أرقى ثانوية في الجزائر ثانوية عمار رشيد وحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1978م والتحقت بجامعة هواري بودين في العاصمة ودرست الفيزياء النظرية. ثم تركت هذا التخصص وملت الى الدراسات الكونية .. درست الفلسفة الإسلامية فصرت عالماً فيها ودرست أيضاً العرفان الفلسفي والإلهيات وفلسفة الدين وفلسفة الأخلاق وعلم النفس الفلسفي وعلم المنطق. وعشقت كثيراً الأدب واللّسانيات. ويسعدني أن أشارك بقلمي المتواضع في هذه المجلة الرقمية الجميلة إيلزا مع المحاورة إبنتي أسماء الجزائرية. ولا أبخل عليكم بأعمالي المتنوعة التي لها مساس بالأدب.
أشارك معكم حروف من جمال الأدب.
هر لباس كان به صحرا آمد است ** سايه سيمرغ زيبا آمد است
گر تو را سيمرغ بنمايد جمال ** سايه سيمرغ بينى بى خيال.
منطق الطير للعارف الفارسي العطار
أترجم لكم البيتين ثمّ اشرحهما حسب ما تطيقه قدراتي العقلية المتواضعة.
الترجمة:
كلّ لباس في الصحراء ظهر ** هو خيال العنقاء الجميل ظهر
لو ظهر لك العنقاء بالجمال ** لرأيت الخيال هو العنقاء يا خالي البال.
الشرح:
العنقاء ترمزٌ إلى الحقيقة الإلهية المطلقة وهي الذات الإلهية المقدسة. واللّباس يرمز إلى المخلوقات، والصحراء ترمز إلى سريان الذات الإلهية مفعمةً بأسمائها الجمالية والجلالية.
والسؤال: ماذا يمثّل اللّباس أي المخلوقات؟
الجواب: يمثل خيالا.
فنسأل من جديد: وما هي هوية الخيال؟ وما هي وظيفته في منطق التجلّى؟
الجواب: الخيال له خصوصيتان: 1. لا هوية له، بل هو قائم بالشاخِص، ما يعني أنّ المخلوقات لا هوية لها في ذاتها، بل قوامها بالعنقاء الوجود المطلق. 2. والخيال يعكس فقط ما في الشاخص من خصوصيات، مما يعني أنّ المخلوقات تعكس مقتضيات الأسماء الإلهية.
مثال ذلك: الوردة الجميلة أو الغيث النازل، فإنّ الوردة لا هوية وجودية لها، بل هي أرضية لظهور إسم الجميل، والغيث لا هوية وجودية له، بل هو أرضية لظهور إسم الرحيم.
وهذا الذي يفسّر أنّ المغاربة لا يقولون ظلا، بل يقولون خيالا؛ وآية ذلك هي الثقافة العرفانية الراسخة في أذهانهم، ثمّ جاءت الوهابية وأرجعتم في محضر الخشونة الدينية بعدما كانوا في محضر الرحمة الدينية.
سؤال: ماذا يمثل الخيال (المخلوقات) بالنسبة إلى العنقاء (الذات الإلهية)؟
يأتيك الجواب الرائع:
لو ظهر لك العنقاء بالجمال ** لرأيت الخيال هو العنقاء يا خالي البال.
فالخيال أي المخلوقات هي العنقاء أي الذات الإلهية.
كيف يكون ذلك؟
الخيال هو العنقاء في مقام ظهورها بأسمائها الجمالية، وغير العنقاء في مقام ذاتها الشامخ.
فجمال الوردة هو ظهور إسم الجميل في ظرف الوردة الكوني، ورحمة الغيث هو ظهور إسم الرحيم في ظرف الغيث الكوني.
وتبقى العنقاء على مستوى ذاتها القدسية ليس كمثلها شيء: عالية في دنوها، ودانية في علوها، يستحيل أن يرقى إلى عزّها وجلالها خيالٌ أبدا.
وهذا الشهود مشروطٌ بشرط صعبٌ مستصعب، هو أن تكون خاليَ البال، أي أن تكون مرآة مصقولة لا شوب فيك حتى تبصر جمال الله تعالى يسري في الصحراء الواسعة.
قد تقول: لما الشاعر ركّز فقط على الجمال، فأين الجلال؟
الجواب: العناية الإلهية تريد الجمال بالقصد الأول، وتريد الجلال بالقصد الثاني: سبقت رحمتي غضبي.
دمتم غارقين في جمال العنقاء
نصيحتي لكن بناتي
ونصيحي الخاصّة لمن تريد أن تصير من بناتنا العزيزة أديبة راقية أن تهتم بأمور هي:
1. اللّغة العربية لأنّها هي اللّسان وهي القوالب التي نصيغ في كنفها المعاني وما في باطن حقيقتنا،
2. المطالعة الواسعة لأنّ المطالعة تثري الذهن بالمعاني وتصقل الموهبة الأدبية،
3. الكتابة المستمرة التي لا تتوقف لأنها تنتمي إلى باب التجربة والأمور العملية كالكتابة تصقل وترقى إلى العلو بالتجربة والممارسة.
4. أن تتكل على الله تعالى الذي يسددنا في كل أعمالنا،
5. وتستفيد من تجارب الآخرين وتتواضع في هذه المجال لأنّ التواضع فضيلة تجمّل الإنسان وتجمّل ما يصدر منه من خير.
أبوكن الأستاذ فضيل الجزائري
حاورته الصحفية أسماء أقيس، فرنسا
رئيسة التحرير:بشرى دلهوم ، الجزائر
تعليقات
إرسال تعليق