حوار صحفي مع الكاتب فاضل الكعبي في مجلة إيلزا الأدبية الجزائرية
مقدمة
من هو الكاتب فاضل الكعبي؟
فاضل الكعبي - كاتب، مفكر، شاعر، ناقد، وأديب، وباحث متخصص في أدب ومسرح وثقافة الأطفال.
يتمتع بخبرة تتجاوز خمسة وأربعين عامًا في الكتابة للأطفال وعنهم، إبداعًا في مجالات الشعر، القصة، المسرحية، الحكاية، وقصص وروايات اليافعين، وتنظيرًا عبر الدراسات والأبحاث المتخصصة في أدب ومسرح وثقافة الأطفال.
يُعد من أبرز الباحثين والكتّاب العرب في هذا المجال، وتُعتبر كتبه ودراساته من المراجع المهمة والأساسية لعشرات الدراسات والأبحاث العلمية والأكاديمية محليًا وعربيًا ودوليًا.
تميّز بكتابته الإبداعية التي تمزج بين الأدب والعلم والفن، وأبرز إنتاجاته في هذا المجال هي "القصة العلاجية"، حيث أصدر عددًا كبيرًا من الأعمال التي تعتمد هذا الاتجاه.
مُنح درجة باحث دولي متخصص بامتياز من المعهد العربي الأوروبي في فرنسا، تقديرًا لإبداعه الدولي في الكتابة للأطفال وعنهم.
حاصل على دكتوراه في أدب الأطفال من أكاديمية كامبريدج للعلوم والتكنولوجيا بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، بالإضافة إلى دكتوراه في الثقافة الإسلامية وآليات الكتابة للأطفال من معهد الدراسات الإسلامية العليا. كما يحمل ماجستير وعدة دبلومات في الإبداع والكتابة الفنية، إلى جانب عدة شهادات دكتوراه فخرية من جامعات ومعاهد عربية وعالمية، تقديرًا لإسهاماته في حركة التنوير الأدبي والفكري.
صدرت له أكثر من 200 كتاب في أدب الأطفال، شملت الشعر، القصة، الحكاية الشعرية، المسرحية، وقصص وروايات اليافعين، إلى جانب 33 كتابًا علميًا في الدراسات والأبحاث النقدية والإعلامية المتخصصة في أدب ومسرح وثقافة الأطفال، والتي تُعد من بين أبرز المراجع العربية والدولية في هذا المجال.
شغل مناصب عدة، منها: رئيس رابطة أدب الأطفال في العراق، أمين سر الجمعية العراقية لدعم الطفولة، مسؤول نادي أدب الأطفال في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، مستشار ثقافي وعلمي في عدة جامعات ومؤسسات، مسؤول أدب الأطفال في أكثر من جهة أدبية وأكاديمية، وكاتب خبير ومحكّم في العديد من الجوائز والمسابقات العربية والمحلية، كما ترأس تحرير عدد من المجلات والمطبوعات الموجهة للأطفال والمجلات العلمية والفكرية المتخصصة بقضايا الطفولة.
نال العديد من الجوائز الإبداعية والعلمية، أبرزها جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال في مجال الدراسات النقدية (2010)، وجائزة تازة الدولية الثانية للكتابة المسرحية للأطفال (2015).
دُرست تجربته الإبداعية والعلمية في العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه محليًا وعربيًا ودوليًا، كما صدرت عنه دراسات وكتب علمية ونقدية كتبها أكاديميون ونقاد عرب.
1 – كيف بدأت رحلتك مع أدب الأطفال ، وما الذي دفعك لاختياره مجالا رئيسياً لإبداعك ؟.
• جواب / حدث ذلك وبدأت رحلتي هذه منذ ما يقرب من الخمسين عاماً ، بتأثيرات كبيرة ومباشرة من قراءاتي المتواصلة لمجلات وقصص الأطفال في ذلك الوقت وأبرزها المجلات الأجنبية المترجمة والمعربة كسوبرمان ، وتان تان ، وطرزان ، والوطواط ، ومعها بعض المجلات العربية كبساط الريح ، وعلاء الدين وغيرها ، مع تواصلي لقراءة ما يقع أمامي وفي يدي من مجلات وكتب أخرى اذكر منها قصص ألف ليلة وليلة والزير سالم وقصص السلسلة الخضراء التي كانت تصدرها دار المعارف في مصر إلى جانب قصص أرسين لوبين وغيرها العشرات من القصص والمسرحيات لا على التعيين ، ثم تطورت الأمر لأقرأ دواوين الشعر العربي كالمتنبي والمعلقات إلى جانب السياب والبياتي وغيرهم ، وتور الأمر في قراءة القصص والروايات والمسرحيات العربية والعالمية كنجيب محفوظ واحسان عبد القدوس والمنفلوطي وغوركي وهمنكواي ودستوفسكي وشكسبير وغيرهم الكثير ، قد قادتني هذه القراءات إلى عالم الكتابة فكتبت الشعر في بادئ الأمر للكبار وللأطفال بعدها ، بل ورحت مع أصدقاء نقلد مجلات الأطفال في الكتابة والإصدار وكنا نصنعها صنعا دقيقا باليد ، ومن ثم كتبت القصة والمسرحية وتطور أمر الكتابة عندي من بعد ما قرأت العديد من كتب الدراسات النقدية والفنية على اختلافها وكتب التربية وعلم النفس وقد تبلورت عندي حينها رؤية فنية ونقدية في كتابة الدراسات وهكذا صار الأمر في الكتابة فكتب باتجاهين متواصلين اتجاه كتابة الشعر والرواية والمقالات النقدية للكبار واتجاه الكتابة للأطفال بمحاور متعددة شملت الشعر والقصة والمسرحية والحكاية الشعرية ، وقد عزز من ذلك عملي في الصحافة التي امتهنتها منذ عام 1977 ، ومن ثم انطلقت في كتابة روايات اليافعين والدراسات النقدية والفكرية المتخصصة بأدب ومسرح وثقافة الأطفال . وشيئا فشيئا جعلت خطواتي في أدب الأطفال تتقدم أكثر واكثر لتسبق مجال الكتابة للكبار التي أوقفت عجلتها في النشر لسنوات طويلة ومهتماً بالكتابة للأطفال وعنهم لتكون المجال الرئيسى لتجربتي في الكتابة الإبداعية والعلمية المتخصصة التي أنجزت فيها ما يقرب من 200 كتاب في الإبداع لأدب الأطفال شعرا وقصة وحكاية شعرية ومسرحية ورواية لليافعين إلى جانب 33 كتاب في الدراسات العلمية والفكرية والنقدية المتخصصة التي صدرت بطبعات متعددة وأصبحت من ابرز المراجع في الوطن العربي .
2 – ما هي أهم القيم والمبادئ التي تحرص على إيصالها للأطفال من خلال كتاباتك ؟
• جواب / كثيرة هي القيم التي أحرص على تجسيدها وترسيخها في كتابتي للأطفال بأساليب فنية مشوقة ومثيرة بعيداً عن المباشرة من أهمها تلك القيم والمبادئ التي تحيي في نفس الطفل الصدق والتعاون والحب والسلام والتسامح ، وقيم الخير والجمال الأخرى التي تدفعه إلى الإبداع والابتكار وبناء قدراته ومهاراته الذاتية وتنمية مخيلته وأفكاره باتجاه إبداء الرأي النقدي الخلاق وتحسين السلوك الإنساني الراقي ومعرفة حدود هذا السلوك وتأثيراته الإيجابية الخلاقة التي تدفعه ذاتياً إلى تمييز ما هو شاذ وغير مرغوب ولا تستحسنه الذائقة الجمالية في الرؤية وفي التصرف وفي السلوك وفي المنطق اللفظي وغير اللفظي وصولاً بكل ذلك وغيره من القيم الخيّرة والمباديء الإنسانية الراقية إلى جعل الطفل يتنامى ويتصاعد ويرقى بشخصيته بنفسه قبل المربين من الآباء والأمهات والمعلمين والمجتمع وذلك اعتماداً على قدوة وتأثيرات ما يقرأ من كتب مناسبة لسنه ومؤثرة في عوالم هذا السن ومشوقة له ومحفّزة لدفعه إلى تنشيط طاقاته وقدراته باتجاه القراءة والاكتساب الإبداعي الخلاق منها لتحصيل وترسيخ المزيد من القيم والمباديء ذات القيمة الهم في بناء شخصيته الاجتماعية والثقافية والسلوكية والتربوية والجمالية بعيدا عن كل ما يخدش سمات هذه الشخصية من عقد وتعقّدات وتأزّم وأمراض وغيرها من سلبيات يمكن أن تحيطه وتصيبه بتأثيرات بيئته الاجتماعية التي لا تخلو من السلب في جوانب منها ، وبهذا كله أسعى إلى جعل الطفل في كل مراحله طفلاً مثقفاً ثقافة علمية واعية ومبتكرة وخلاقة ليكون عنصرا مهماً من العناصر التي يؤهلها المجتمع لقيادة مستقبله .
3 – كيف ترى واقع أدب الأطفال في العالم العربي اليوم ؟.
• جواب / للأسف الشديد واقع أدب الأطفال اليوم في العالم العربي هو واقع مأزوم بجوانبه المتعددة فنيا وتقنيا وأسلوبياً وإعلاميا في الكتابة والإنتاج والنشر والترويج وغيرها ، وإذا ما أردتني المرور على كل منها والتعرض لها بالتفصيل والشرح وإيراد الشواهد فيها فالأمر هنا يحتاج إلى صفحات وصفحات يطول الحديث فيها وسبق لي في أكثر من حديث وكتابة الإشارة إلى بعضها بالتفصيل ، ولا بأس أن أشير هنا إلى بعض آخر منها ، فيا عزيزتي على الرغم من تواصل أدب الأطفال في نشاطه الملحوظ وهو نشاط يتراوح بين المد والجز في كثير منه ، خصوصا فيما يتعلق بكتابة وصناعة وإنتاج وتلقي أدب الأطفال في عالمنا العربي ، إلا أن الرؤية مازالت غير واضحة وتنحو إلى الضبابية في تركيزها إلى عوالم هذا الأدب ، حيث فقدان الضوابط ، وتشتت الرؤى ، وغياب المعايير ، وليس هناك من ثوابت تأخذ بالمتغيرات إلى الخلق الصحيح والمتميز الذي يجعل لأدب الأطفال سماته الفنية والأسلوبية واللغوية والموضوعية الرصينة والأصيلة التي تعزز من قيمة هذا الأدب وتطور من سماته ، ويوما بعد يوم تتراكم هذه المشكلات التي باتت تحيط ادب الأطفال في عالمنا العربي من كل جوانبه ، حيث تحكم الناشر وفرضه لأفكار وأساليب ونتاجات بحجج التميز والجودة ، ولا تعدو سوى جودة بالانتاج من ناحية التصميم والطباعة لكنها لا تحمل الجودة المطلوبة بموضوعية المنتج وأساليبه ، حتى فتح الباب على مصراعيه للاجتهادات الشخصية التي باتت تتحكم بعوالم هذا الأدب وأساليبه وكل يدعي له الأفضلية وأنه سيد هذا الأدب ومقرره ، حتى بتنا نرى ضياعاً للمقاييس الصحيحة لهذا الأدب ، وفي كل يوم نجد ما يدفعنا إلى الاستغراب من كتابات ومن إصدارات تستغفل أدب الطفل الحقيقي فتسيء إليه وتضعفه أكثر مما هي تدعي له الفائدة ، وكثيرا ما تحدثنا بهذا الجانب وأشّرنا إليه مثلما أشَّرنا مكامن ضعفه ولكن لا أحد يقرأ ولا احد يأخذ بها ، بل حدا ببعض المتصدرين لصفحات أدب الأطفال أن يشر إلى كتب قديمة تتحدث عن أدب الأطفال صدرت في الماضي ويؤكد عليها رغم ما فيها من تكرار لبعض المفاهيم والرؤى والطروحات المستنسخة ويتجاهل الدراسات الحديثة التي تنبّه وتشير إلى ما يجب الانطلاق منه في تحييد الكتابات الخارجة عن ضوابط الكتابة الصحيحة والخلاقة للطفل وتعزير المبدع والخلاق والمتجدد بأصالة واضحة من منتج هذه الكتابة ، ورغم ذلك هناك مساحة رائعة من الرقي والجمال والتميز في كتابة وفي منتج هذا الأدب هنا وهناك لا تجهلها العين ولا الذائقة الفنية والنقدية هي التي تعزز من وجود هذا الأدب وأهميته في عالمنا العربي .
4 – ندرك من كلامك هذا أن هناك تحديات عديدة تواجه أدب الأطفال في عالمنا العربي ، ترى ما هي أبرز هذه التحديات من وجهة نظركم ؟.
• جواب / كثيرة هي التحديات وأكثرها استفحالاً وتراكما في معطيات هذا الأدب ، في وجوده وفي جودته ، وفي كتابته وفي منتجه ، وفي تلقيه أيضا ، هي تلك الإشكالات التي يأتي بها بعض الطارئين عليه ، أو الداخلين إلى عوالمه من الأبواب الخلفية ، والتي باتت مشرعة لمن هب ودب لدخول أدب الأطفال وادعاء الانتساب إليه ، دون امتلاك المقومات الأساسية التي تؤهلهم لكتابة هذا الأدب الخاص والخطير ، الذي يستسهله ويستصغره كثير من حملة القلم والورقة للكتابة فيه ، ولا أريد التفصيل في ذلك أكثر ، فقط أشير إلى بعض ما بات يشكل شبه ظاهرة في أدب الأطفال ، وهي مسألة ما يسمى بدورات وورش تعليم الكتابة للأطفال أو التدريب عليها بمدد يوم أو يومين أو أسبوع مقابل مبالغ معينة ، فنطالع عناوين فضفاضة مثل ( ورشة تعليم كتابة القصة للأطفال ) ويدير بعض هذه الورش من هم ليسوا من أصحاب المنجز والخبرة الواسعين ، وأغلبهم من المبتدئين في الكتابة ولا تتجاوز ممارستهم فيها سوى سنوات قد لا تتجاوز الخمس ، بينما هذه الكتابة تحتاج ، بعد الموهبة الكبيرة ، والاطلاع الواسع إلى خبرة واسعة في أسرارها وأساليبها واستبصار طرق السير فيها بوضوح ودراية وصولاً للولوج الموفق إلى معالمها الأساسية ، وحقيقة هنا لابد من الإشارة إليها أن هناك عشرات الكتاب في العالم من أصحاب التجارب المعروفة والمنجز البارز في أدب الكبار لم يوفقوا وفشلوا بالكتابة للأطفال ، وهذا باعترافهم وأحدهم أقرَّ لي بذلك مباشرة في الثمانينيات ، كذلك هناك من يركب بعض المسميات التي وجد فيها فرصة سانحة له ليكون مسؤولا عن وظيفة ما وجدت سهلة أمامه بشكل أو بآخر ليصدر المشهد الإعلامي والثقافي لأدب الأطفال وهو لا يملك ما يجب من الخبرة والدراية وليس لديه من المنجز الإبداعي ما لا يتجاوز أصابع اليد ، وغير هذا وجود بعض المواقع والأشخاص الذين يسوقون هذا وذاك ليكون في المقدمة من واجهات أدب الأطفال وفاتهم أن الوجاهات والشهرة وتأطير الاسم ستبقى بلا قيمة ومعنى من دون أن يكون هناك سعة من المنجز الإبداعي الواضح والبارز في منتجه وفي معطياته التي تشير إلى حجم الخبرة وسعتها وأهميها في أتون أدب الأطفال وتعزيزه . كذلك من التحديات الآخرى أمام أدب الأطفال هي فقدان بوصلة هذا الأدب في خارطة إبداعه الواسعة ، فتجد الاعلام أحيانا ، هنا أو هناك ، لدواع ومصالح ولغايات شخصية أو غيرها يسلط سعة من الضوء على تجربة بسيطة ولا يسلط مثل هذا الضوء على تجربة أخرى واسعة وجديرة ، فيتسبب ذلك في خلط الأوراق وفقدان الموازين ، وهذا وذاك بالنتيجة يشوش النظر والميزان النقدي والموضوعي ويزيد من أثر التحديات وحدتها على فنية أدب الأطفال وموضوعيتها ، فينعكس هذا على مفاصل أدب الأطفال كتابة وانتاجاً ورؤية وتلقيا وغير ذلك مما يزيد من تراكمات الإشكالات والتحديات التي تواجه أدب الأطفال وجمهوره المستهدف بالصميم .
5 – ترى أين موقع النقد من ذلك ؟
• جواب / ليس هناك من فاعلية للنقد في هذا الاتجاه ، أولا لفقدان النقد المتخصص ، وثانيا غياب الرؤية الصحيحة لمعايير علمية وفنية دقيقة وفاعلة لمنتج أدب الأطفال ، ونقرأ أحيانا ما يسمى بنقود في أدب الأطفال ، وهي نادرة ن ومع ندرتها ، يأتي أغلبها بعيدا عن قيمة النقد الحقيقي الذي يريده أدب الأطفال ، وما هي إلا كتابات ثقافية أو عروض ومقالات انطباعية تنطوي على وجه نظر خاصة انطلاقا من اجتهاد شخصي ، بتلقي وتذوق كاتب هذه الكتابة ولا تلم بمنهجية نقدية واضحة ، أو أحياناً يأتي ناقد بأدب الكبار ليكتب نقدا في أدب الأطفال فلم يكن موفقا في ذلك لأن النقد في أدب الأطفال غير النقد في أدب الكبار ، ولهذا سعت من سنوات إلى مناقشة هذه الحالة ودراستها وتأشير الصحيح وغير الصحيح فيها ، بل ووضعت معايير نقدية خاصة بأدب الأطفال ، وهذه الدراسة صدرت في كتاب مهم في الشارقة عام 2013 عنوانه ( أدب الأطفال في المعايير النقدية ) وهو ( دراسة في الأسس والقواعد الفنية والنقدية لفن الكتابة للأطفال ) . وغير هذا الكتاب هناك كتاب آخر بنفس الاتجاه ضم العديد من الدراسات النقدية المتخصصة عنوانه ( قراءات نقدية في أدب الأطفال ) وغير هذا هناك كتب آخري بنفس الاتجاه مع عشرات الدراسات النقدية الأخرى المتخصصة بأدب الأطفال نشر العديد منها في مجلات فكرية وثقافية وعلمية .
6 – ما الفرق بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار من حيث الأسلوب والمحتوى ؟.
• جواب / هناك فرق شاسع بين الكتابين ، ولكل كتابة أساليبها ومحتوياتها الخاصة ، وبالنتيجة ينطلق هذا الفرق أساساً من الفروق العمرية المتعددة النفسية والعقلية والإدراكية واللغوية بين مرحلة الكبار ومرحلة الطفولة التي تتفرع عنها مراحل طفولة متعددة لكل منها معايير وقياسات وتدرجات وضوابط ومحددات يتطلب أن تتوافق مع هذه المرحلة وتنسجم معها تماما حتى تأتي الكتابة هذه متوافقة كل التوافق مع هذه المرحلة أو تلك ، فالفرق بين مرحلة وأخرى من مراحل الطفولة يأتي بمتطلبات خاصة لا تتجاوزها في النظر والكتابة لهذه المرحلة فكيف الحال أمام الكتابة للكبار التي تختلف بمسافة شاسعة عن الكتابة للأطفال تلك الكتابة التي تظهر خصوصيتها وحساسيتها من دقة التعامل معها نفسيا واجتماعيا وعقليا ولغويا ، ومن هنا تكمن مسألة الصعوبة في قضايا الكتابة للأطفال ، وتميزها عن سواها من مسائل وأساليب الأدب والكتابة ، وقد أشرت إلى ذلك وبحثت فيه ودرسته فصّلته في العديد من كتبي .
7 – كيف ترى دور الأسرة في تنمية حب القراءة لدى الأطفال، وما النصائح التي تقدمها للآباء والأمهات ؟.
• جواب : للأسرة دور أساسي ومحوري في جلب الطفل إلى القراءة وتحبيب عناصرها ووسائلها إليه ، وفي كثير من الحالات تكون الأسرة قاعدة أساسية وفاعلة في تنمية مهارات القراءة لدى الطفل ، فالطفل الذي يفتح عينيه على وجود مكتبة داخل البيت مؤكد سينشأ على حب القراءة والكتاب ، وكذلك تشجيع الأب والأم للطفل وتحفيزه على القراءة ودفعه إليها سيزيد من تهيئة الطفل تهيئة فاعلة ومؤثرة في قدرات الطفل ودفعه نحو القراءة ، ولذلك انصح الآباء والأمهات على اصطحاب الطفل معهم لدى زيارتهم لمعارض الكتاب الوطنية أو المحلية ، وكذلك تشجيعهم على زيارة المكتبات العامة والخاصة وتمكينهم من شراء كتبهم الخاصة ، وتشجيعهم عليها ، ومن المهم مساعدتهم ودفعهم إلى تكوين مكتبة خاصة لهم داخل البيت ، وكذلك تشجيعهم ابداء الرأي النقدي لكل مطالعاتهم القرائية وتخصيص بعض الأوقات لمناقشتهم بكل كتاب اطلعوا عليه لتعميق صلتهم بالكتاب من ناحية ، وتيسير وصول محتويات ومؤثرات هذا الكتاب إليهم كما يجب ، وللاستزادة أكثر أحيلكم لمطالعة كتابي الموسوم ( الطفل والقراءة : أفكار علمية وعملية لخلق طفل قاريء ) الصادر في دولة الإمارات العربية المتحدة ، الشارقة عام 2018 ، كونه كتاب متخصص بهذا الاتجاه وغني بالنصائح والأفكار والمعايير العلمية الدقيقة التي تعين الأمهات والآباء والمعلمين على تيسير سبل القراءة ومهاراتها وأساليبها أمام الطفل .
8 – في ظل التطورات التكنولوجية ، هل ترى أن أدب الأطفال التقليدي لا يزال يحتفظ بجاذبيته أم أن الرقمنة فرضت نفسها ؟.
8 جواب / بلا شك أنَّ الرقمة فرضت نفسها بقوة هائلة على الطفل ، القاريء وغير القاريء ، وأقصد به الذي لم يصل إلى مرحلة القراءة بعد ، ولهذا أصبح للرقمنة أثرها الفاعل والواسع والكبير في اهتمامات الطفل القرائية منها والاستهلاكية أيضا ، لأن الرقمة دخلت كل البيوت وراحت تغري الطفل بإغراءات بصرية وإدهاشية ومعرفية عديدة وغاية بالابهار والاستجابة والتفاعل بينها وبين الطفل المستهلك لوسائل ووسائط التكنولوجيا الرقمية ، الأمر الذي يصعب على أدب الأطفال الورقي تقديمه للطفل بهذا المستوى من الإغراء والفاعلية ، إلا بنسب معينة ، تتبع مستوى الكتابة لهذا الأدب وأساليب كتابته المتميزة بلغته وإدهاشاته وفاعليته في إغراء الطفل وجذبه وشده إلى المحتوى والشكل والتأثير فيه كما يجب ، ومع هذا يبقى لأدب الأطفال الورقي أو التقليدي وجوده وسطوته الفاعلة في نفس الطفل ووجدانه وله القدرة على التأثير في هذا الطفل المتلقي اذا أحسن الكتابة له وأجاد تقديم هذه الكتاب برسومات وتصميمات مغرية ومدهشة توازي أو تنافس وسائط الرقمة في ما تقدمه للطفل ، وبالمناسبة فإن الرقمة في إطار أدب الأطفال هي تقنية فنية لا تأتي وتنمو وتتعزز بعيدا عن محفزات ومغذيات أدب الأطفال الورقي وهذا ما أشرت له وأكدته في ورقة علمية مهمة قدمتها في المؤتمر الأول لأدب الأطفال في المنطقة الشرقية في اللملكة العربية السعودية قبل عامين وهو مؤتمر في غاية الأهمية طرحت فيه قضية ( مخرجات أدب الأطفال بين الورقي والرقمي ) .
9 – ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الثقافية والإعلامية في دعم أدب الأطفال في العالم العربي ؟.
• جواب / دور كبير وأساسي ومهم يتطلب من كافة المؤسسات الثقافية والإعلامية في عالمنا العربي أن تلعبه بكل حرص وصدق في رعاية ودعم أدب الأطفال ، لكن للأسف الشديد لا يوجد مثل هذا الدور إلا ما ندر ، حيث وضعت معظم المؤسسات حاجزاً كبيراً بينها وبين أدب الأطفال فلا ترى أدب الأطفال إلا بعين قاصرة لا ترى وجوده ولا أثره وتأثيره في بيئتها ، للأسف الشديد هذا الحال في عموم وطننا العربي .
10 – حدثنا عن أبرز أعمالك في مجال مسرح الطفل ، وكيف ترى تأثير المسرح على بناء وعي الطفل ؟.
• جواب / أعمالي في مسرح الأطفال كثيرة وباتجاهات متعددة بين الإبداع وبين البحث والدراسات العلمية والنقدية والمساهمة في تحكيم مهرجانات ومسابقات مسرح الأطفال ، حيث بدا اهتمامي ونشاطي في مسرح الأطفال منذ ما يقرب من الأربعين عاماً ، فعلى المستوى الإبداعي كتبت وأصدرت عشرات المسرحيات الشعرية والنثرية للأطفال في كتب عديدة أبرزها كتاب ( ما حدث للسنجاب في ليل الغاب ) وهي مسرحية شعرية صدرت عام 2005 بغداد ، وعرضت على خشبة المسرح مراراً ، وكتاب ( السنجاب واحتفال الغابة ) دمشق عام 2011 ، وكتاب ( عذاب بائع الألعاب ) عام 2011 بغداد ، وكتاب ( فخري والمصباح السحري ) مسرحيات تعليمية للأطفال صدر في عمان عام 2014 ، وكتاب ( حسان والأميرة بان ) وهو مجموعة مسرحيات تعليمية للأطفال صدر بأكثر من أربع طبعات الأولى كانت في الشارقة عام 2024 ، وغيرها ، واغلب هذه المسرحية مثلت وعرضت على خشبة المسرح في العراق وفي العديد من الدول العربية وتمت دراستها وتناولها في عشرات الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه ، وهي الآن معدة بكتاب شامل ننتظر صدوره تحت عنوان ( الأعمال المسرحية الكاملة – الجزء الأول ) ، أما على المستوى العلمي والفكري والنقدي في الدراسات المتخصصة فقد صدر كتابي المتخصص الأول الموسوم ( مسرح الملائكة : دراسة في الأبعاد الدلالية والتقنية لمسرح الأطفال ) في الشارقة عام 2009 ونال جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال في الدراسات النقدية عام 2010 وهو الآن مرجع مهم لمسرح الأطفال في الدراسات العليا في أغلب الجامعات العربية ، وأيضا صدر بطبعات متعددة ، وصدر لي كتاب ( دراما الطفل : دراسة مسحية ، فنية ن نقدية ، تاريخية لتجربة مسرح الأطفال في العراق – النشأة والتطور 1970 – 2010 ) الطبعة الأولى بغداد ن عمان 2014 ، وهو أول كتاب شامل عم مسرح الأطفال في العراق في المسرح العراقي . وكتاب ( فن كتابة مسرحية الأطفال – دراسة في الأدب المسرحي ومسرحة الأدب ) صدر في عمان عام 2019 ، وكتاب ( مسرح الأطفال في العراق ) صدر عام 2021 في القاهرة ، وكتاب ( مسرح الأطفال وتمثلاته على خشبة الواقع ) وهو مجموعة دراسات وأبحاث صدر عن الهيئة العربية للمسرح في الشارقة عام 2024 ، وإلى جانب ذلك شاركت في العديد من المهرجانات المسرحية العربية والمحلية باحثا ومحكما وناقداً .
11 – من خلال تجربتك الطويلة ، ما هي الأخطاء الشائعة التي يقع فيها بعض كتاب أدب الأطفال ؟
• جواب / الأخطاء هنا تقاس بمقياس التجربة ومحصول التجربة من النتائج في نشاطها وحركتها في المعطيات التي تقدمها لأدب الأطفال ، فالأخطاء هنا تحصل وتبان بدرجة نسبية من كاتب إلى آخر ، هناك خطأ يغتفر وآخر لا يغتفر ، هناك خطأ جسيم وهناك خطأ بسيط ، هناك خطأ غير مقصود ، قد لا يراه الكاتب ويراه غيره ، وخطأ الكاتب الراسخ غير خطأ الكاتب المبتدئ ، وأخطر الأخطاء وأكثرها سلباً وضرراً على الكاتب وعلى المتلقي وعلى ألأدب برمته عندما يترسّخ في ذات الكاتب ويتكرر في سلوك هذا الكاتب وفي منعكسات هذا السلوك على المحيطين بهذا الكاتب وعلى المتلقين له ، رغم معرفة الكاتب لذلك ، أو لربما تنبيهه مرة وأخرى على هذا الخطأ ، وقد لا أبالغ اذا ما قلته في هذا الاتجاه ، هناك خطآن يشترك في ممارستهما الكاتب الراسخ والمبتديء ، وهما من أسوا واخطر الأخطاء التي تبرز وتتمظهر من خلال السلوك الاجتماعي والنفسي والثقافي للكاتب ، ويكادان أن يصبحا بمثابة العقدة أو المرض الراسخ في ذات الكاتب هذا وفي شخصيته ، وأولهما النرجسية والغرور ، وهما من يولدان جملة من الأخطاء والتراكمات في هذا الأخطاء لتبرز منهما الصفات الدنيئة والمذمومة عند البعض التي تشكل عقدا في النفس كالحسد والغيرة وهذا وذاك يولد أخرى وأخرى ليصبح ذات الكاتب بؤرة من الأفعال ورود الأفعال في نشاطه وفي حركته في محيط بيئته الاجتماعية والثقافية ، مثلما نجد ذلك عند البعض بمجرد حصوله على جائزة ما ، أو وصوله لمنصب ما فتجده قد تغير درجات ودرجات وسلوكه يأخذ السلوك المغاير نوعا ما لما كان عليه ، وهذا ما يجب التحذير منه خصوصا في الكتابة للأطفال التي تتطلب النقاء والبراءة والبساطة والطيبة وغير ذلك مما هو ناتج ما يفترض من ذلك الطفل الكامن في ذات الكاتب ولكن كثيراً ما نجد العكس من ذلك ، فهذا كاتب تقدم له العون والمشورة وتقف معه وتساعده في خطواته الأولى لكنه يتنكر إليك ويشح بوجهه عنك بعد أن ينطلق في خطوته الثانية والثالثة ، وهذه كاتبة وطالبة ترشدها إلى الصواب العلمي وتصحح لها ما ظهر من الأخطاء وتقومها وتقدم لها العون إلى الحد الذي تعالج فيه ما كان من الأمراض في كتابتها ولكنها تنكر عليك كل جهد بذلته لها وكل عون بمجرد وصولها إلى غايتها بل والأنكى أنها تنظر إليك كما لو أنك العدو ، وغير هذا هناك أخطاء فنية يمارسها الكاتب بإصراره على الكتابة بالرؤى والأساليب القديمة ولم يتجاوزها إلى ما يجب من متطلبات الكتابة الحديثة لغة وأسلوبا ومعطى في الشكل والمضمون .
12 – كيف يمكن لأدب الأطفال أن يسهم في ترسيخ الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية في نفوس الأجيال القادمة ؟
• جواب / هذا يكمن من خلال تجسيد محددات الهوية الثقافية وقيمها الأخلاقية الأصيلة في مجسدات ما يكتبه الكاتب من النصوص الجديدة على أن لا تأتي معاني ودلالات ورموز هذه الهوية وقيمها مباشرة ومقحمة لا قيمة فنية وإدهاشية لها في روح النص وعمقه ، إذ أنَّ لأدب الأطفال القدرة العظيمة على تجسيد وترسيخ الهوية الثقافية وقيمها في نفوس الأطفال وبما يتوافق مع متغيرات الواقع الجيلي للأطفال وأصالة كل جيل من الأجيال والانطلاق من ذلك بكل عمق من روح التراث المشرق ورموزه الخلاقة ، التي ترسخ لدى الطفل قيمة هويته الثقافية وأصالتها لتكون حية في روحه وفي سلوكه ، وهذا ما أشرت إليه وبحثته في العديد من أعمالي العلمية في الدراسات والأبحاث ككتاب ( الطفل والهوية الثقافية ) الصادر عام 2015 وفي محاور أخرى لعديد من كتبي الصادرة والتي تناقش أدب الأطفال وثقافتهم انطلاقا من أسس ومعايير ومحددات ورموز ودلالات الهوية الثقافية للطفل العربي ، وكذلك ما كتبته وجسدته في عشرات الأعمال الإبداعية الشعرية والقصصية والروائية وآخرها ديوان ( هويتي ) الصادر في كندا عام 2024 .
13 – ما هو حلمك الأكبر فيما يخص أدب الأطفال ، وما الرسالة التي تحب أن توجهها للكتّاب الشباب المهتمين بهذا المجال ؟
* جواب / الأحلام كثيرة وإن تحققت جميعها أو بعضها يأتي هناك حلم آخر وآخر ، خصوصا للكاتب الذي ينطلق أساسا من الحلم ومتخيلات ما يورده الحلم في مخيلته ليصل بذلك إلى منتوج ما ينسجه في الكتابة ، ودون الحلم والخيال تصبح الكتابة عقيمة تصل إلى المتلقي كما يجب ، أما حلمي الأكبر الذي يكبر ويكبر في كل يوم دون بلوغ ما يرجو بلوغه والوصول إليه هو وجود المجتمع الواعي بكل أفراده ومؤسساته وعيا حقيقياً بأهمية أدب الأطفال وأهمية كتابه الحقيقيين ، وعندما يتحقق هذا الحلم ستجدين أدب الأطفال وقد أصبح بارعاً ومقدساً ومصانة حقوقه وقيمه وقيمته ، ودون هذا سيبقى أدب الأطفال على الهامش رغم أهميته وأهمية دوره في بناء الإنسان وتقويمه ،
14 – كيف ترى علاقة الكاتب مع الناشر في عالمنا العربي ؟.
• جواب / تتراوح هذه العلاقة بين الجيد والسيء ، ويكاد السيء يطغى على الجيد في بعض الأحيان ، وللأسف هنا من لا يفي بوعوده ويكون صادقاً مع الكاتب رغم إبرام العقود القانونية في ذلك ، وانا شخصيا على مدى السنوات الماضية حدثت معي أكثر من مشكلة مع بعض الناشرين رغم أنهم من أصحاب دور النشر المعروفة بعضها حلت بالتراضي وبالقانون وبعضها الآن أنتظر الانفراجة لها وحلها مع الناشر ، ومع هذا هناك من الناشرين الصادقين والمحترمين الذين يسعدك العمل معهم بكل اعتزاز .
15 – ترى ما الرسالة التي تحب أن توجهها للكتّاب الشباب المهتمين بهذا المجال ؟
• جواب / أن لا يشغلهم هدف النشر قبل تحقيق هدف الجودة المطلوبة في الكتابة ، وإن يتواصلوا بالقراءة والاطلاع أكثر من الكتابة ، وأن يجعلوا قيمة الكتابة أعلى من قيمة النشر أو البحث عن الشهرة ، ومن المهم أن يتحصنوا بمقدرة الإبداع ودوافعه في الكتابة ، وأن لا يأخذهم الغرور إلى محاولة القفز على المراحل وغيره .
16– هل لديك مشاريع مستقبلية تعمل عليها حالياً في مجال أدب الأطفال ؟
* جواب / المشاريع متواصلة ولا تتوقف ، هذا هو ديدن الإبداع وديدن العمل والجاد فيه ، والشروع بمشاريعي الحاضرة والمستقبلية يسير باتجاهات متعددة يتقاسمها الإبداع والعلم والكتابة في آن واحد والكتابة فيهما شعرا وقصة ومسرحية ورواية ودراسة وبحثا ونقدا وهكذا .
مجلة إيلزا الأدبية للإناث
المؤسسة بشرى دلهوم
الصحفية أسماء أڨيس
تعليقات
إرسال تعليق