رمضان في غربتي… لكنه لم يسلبني روحي
في الغربة، يسرقون منا الأذان، لكنهم لا يستطيعون أن يسكتوه في قلوبنا. يحرمون الشوارع من صوته، لكننا نردده سرًا بيننا وبين الله، كأنه عهدٌ لا ينكسر. هنا، لا تفوح روائح الإفطار من نوافذ البيوت، ولا تتزين الشوارع بفوانيس رمضان، لكن رغم كل هذا، لم يستطع البعد أن يطفئ النور الذي في قلبي.
أشعر بالوحدة حين أجلس إلى مائدة إفطار هادئة، لا ضحكات عائلتي، لا يد أمي تمتد نحوي لتسأل إن كنت قد شبعت، لا والدي يرفع يده بالدعاء فتطمئن روحي. لكني ما إن أخطو نحو المسجد، حتى أشعر أنني أعود إلى وطني… ليس وطنًا تحيطه الجغرافيا، بل وطنًا من الأرواح المتآلفة، من القلوب التي جاءت من شتى بقاع الأرض، لكنها اجتمعت هنا على نور الإيمان.
عندما أرى عيون الأطفال الذين أدرسهم في المسجد، عندما أسمع ضحكاتهم وهم يحاولون ترديد الآيات بعدي، أشعر أن الغربة تضعف قليلًا، أن الوطن يمكن أن يكون فكرة نزرعها حيثما كنا. وعندما ألتقي بمن هم مثلي، ممن تركوا بلادهم لكن لم يتركوا انتماءهم، أشعر أن هناك خيطًا غير مرئي يربطنا، خيطًا أقوى من الحدود، وأقوى من المسافات.
في كل سجدة، أرفع دعائي لله، لا فقط أن يعيدني إلى وطني، بل أن يجعل لي في غربتي أوطانًا صغيرة، في قلب كل طفل أعلّمه، في كل صلاة جماعة تجمعني بمن يشبهونني، في كل لحظة أشعر فيها أنني لست وحدي. الغربة صعبة، لكنها لن تسلبني رمضان، ولن تسلبني يقيني بأن الله يضع لنا العوض في أماكن لم نكن نتخيلها.
تعليقات
إرسال تعليق