أزهري أينما حللتِ
التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موائد الحب في رمضان بقلم الكاتبة بودودة ميادة

موائد الحب في رمضان

عند اقتراب موعد الإفطار، تمتلئ البيوت بأصوات الضحكات وروائح الطعام التي تُعلن عن لحظات دافئة قادمة. في رمضان، لا يقتصر الإفطار على كسر الجوع، بل هو وقت تجتمع فيه القلوب قبل الأجساد، وتمتلئ النفوس بالمودة قبل الأطباق.

قبل الأذان بقليل، ترى الأطفال يركضون بسعادة، والجدة تروي حكايات عن رمضانات مضت، بينما الأصدقاء يتبادلون الضحكات، وكأنهم يعيدون ذكريات جميلة لا تُنسى. الجميع حول المائدة بانتظار لحظة الإفطار، ولكن الأهم أنهم بانتظار لحظة التقارب والمحبة.

كل طبق يحمل معنى خاصًا. كوب الماء البارد يروي العطش، لكنه يروي أيضًا القلوب بالمحبة. تمرة الإفطار ليست مجرد طعام، بل رسالة سلام تمتد من يد إلى يد، تزيل أي خلاف، وتُذكّر الجميع بأن رمضان شهر التسامح. ومع أول لقمة، يبدو أن كل المشاعر السلبية تختفي، ويصبح الجو مليئًا بالسكينة والرضا.

وفي رمضان، يتجلى جمال صلة الرحم، حيث يحرص الجميع على زيارة الأقارب والجلوس معهم ومشاركتهم الطعام. وصلة الرحم ليست مجرد عادة اجتماعية، بل هي عبادة عظيمة أمرنا الله بها، وحذّر من قطعها في قوله تعالى:
"فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم" (محمد: 23-24).
فالفساد في الأرض يبدأ من قطع العلاقات الأسرية، بينما البركة تنزل على البيوت التي تحافظ على صلة الرحم وتُعزز المحبة بين أفرادها.

وقد جاء في الحديث النبوي الشريف عن شهر رمضان:
"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).
فرمضان فرصة ليس فقط لتطهير النفس بالصيام، بل أيضًا لتطهير القلوب بالتسامح وصلة الرحم والعفو عن الزلات.

وفي هذا الشهر المبارك، لا تكتمل الروحانية إلا بآيات القرآن الكريم، فهو شهر القرآن الذي قال فيه الله تعالى:
"شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان" (البقرة: 184)

فنُحيي قلوبنا بتلاوة كتاب الله، ونجد فيه السكينة والهداية. ومع غروب الشمس وبزوغ القمر، تجتمع القلوب في صلاة التراويح، حيث تُرفع الأيدي بالدعاء، وتغسل الأرواح بآيات القرآن. فكما نُغذي أجسادنا بالطعام، علينا أن نُغذي أرواحنا بالقرآن والصلاة، ليكون رمضان شهرًا للتغيير الحقيقي من الداخل.

في هذه اللحظات، لا مكان للغضب أو الكراهية. كيف يمكن للقلوب أن تحمل الحقد وهي تجتمع على نفس المائدة؟ كيف للعداوة أن تبقى عندما يتشارك الجميع الطعام والابتسامات؟ رمضان يُعلمنا أن التواضع ليس فقط في كلماتنا، بل في تصرفاتنا، في جلوسنا بجانب من نحب، وفي تقديمنا للآخرين قبل أنفسنا.

ومع كل لقمة، نتذكر من لا يجد ما يأكله. وهنا تأتي الصدقة، ليس فقط كواجب ديني، بل كعمل إنساني يمنحنا شعورًا بالسعادة. الصدقة لا تملأ بطون المحتاجين فقط، بل تملأ قلوبنا بالراحة والطمأنينة، وتجعلنا نشعر بقيمة العطاء، وكأننا كلما أعطينا ازددنا غنىً في أرواحنا.

وعندما يُرفع الأذان، وترتفع الأيدي بالدعاء، ندرك أن كل تجمع هو فرصة لنبدأ من جديد، لنغفر الأخطاء، ونعيد بناء العلاقات بروح نقية. فرمضان لا يُزين البيوت بالفوانيس فقط، بل يُضيء القلوب بالمحبة والتسامح.

فلنجعل من كل مائدة في رمضان فرصة لنزرع الحب وننشر السلام حولنا، ولنعلم أن السلام يبدأ من داخلنا، ثم يمتد ليغمر كل من حولنا.
بودودة ميادة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب محاربة الفيبروميالجيا

محاربة الفيبروميالجيا.pdf الكاتبة خولة بوزياني المدققة اللغوية: بشرى دلهوم إعداد وإشراف : بشرى دلهوم الناشرة مجلة إيلزا الأدبية للإناث الطبعة الأولى: 2024

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...