"سراب الحب"
إذا نظرت من بعيدٍ إلى شيءٍ ونال هذا الشيء إعجابك، فإن مدى هذا الإعجاب يقل كلما اقتربت منه؛ لأنك تراه بوضوح.. تُبصر عيوبه.. تتضح لك خفاياه.. وعندما تنعدم المسافة بينك وبينه قد يصل الإعجاب إلى نقطة الصفر.
في تعاملاتنا مع الأشخاص نجد تلك المعادلة، ويكون من الصعب علينا التقبل إذا زادت حدة النزاع والخصام، ولو أدركنا من البداية هذه المعادلة؛ لسهل علينا التعامل مع الحقيقة التي أخفتها المسافات.
نسمع كثيرا عن تفاقم المشكلات، والمنازعات بين الزوجين، وقد يصل الأمر في كثير من الأحيان إلى الإنفصال.. انفصال الزوجين الذين ربما كانت تجمعهم قصة حب يمكن أن تُروى كالقصص والحكايات _ سواء كان هذا الحب بدأ في الحلال ، أم بطريقةٍ لم يجوِّزها الشرع وانتهت بالزواج _ وقد نتعجب من حدوث ذلك بينهما.
إن وقوع الرجل والمرأة في شِباك الحب قبل أن يعرف كل منهما عن الآخر ما يجعله يطمئن إلى اختياره _وذلك في فترة الخِطبة _ يمثل سببًا رئيسيًا في احتدام الخلاف بينهما بعد الزواج، ووصول القافلة بهما إلى طريق مسدود، لاسيما إذا كان لدى أحدهما عيبا لا يمكن للآخر تقبله، ومع ذلك تخطياه بسبب انغماسهما في بحر الحب.
إن الزواج ليس هو ثمرة الحب، فالحب الذي زُرع ببذور فاسدةٍ وسقي بماءٍ آسنٍ أجاجٍ لا يثمر أزهارًا يانعةً نضرةً، يفوح أريجها عنبرًا على صفحات الحياة، ويُنير بريقها عتمة الأيام؛ بل لا تُنبت بذوره إلا فاسدًا، ولا يَنبعث منه إلا ريحٌ خبيثٌ.
إن كثيرًا ممن يقبلون على الزواج من الشباب والفتيات اليوم لا يدركون المفهوم الحقيقي للزواج، ربما لما قبع في أذهانهم عنه من خلال ما تبثه الدراما التي جعلتهم يحلقون في سماء الوهم، فإذا هبطوا على أرض الواقع تردُّوا من الصدمة إلى قاع الإحباط، وليس لديهم قوة دفع؛ للقفز سريعًا وتخطي العقبات؛ ليحلقوا فوق بستان الصبر والتحمل؛ ليتنعموا به في ظل صحراء الحياة القاسية.
إذا عرجَّنا إلى أسباب احتدام الخلاف بين الزوجين الذي قد يصل بهما إلى الطلاق نجد بعضا منها يتمثل في الآتي:
أولا: بداية العلاقة.. كيف بدأت؟ هل بدأت بطريقٍ حلالٍ؛ وذلك بدخوله البيت من بابه إلى وليِّها؟ أم تسلل من أحد النوافذ يسرق أغلى المتاع بعلاقةٍ محرمةٍ _ دونما توبةٍ منهما _ أدَّت إلى نزع البركة من زواجهما؟ لأنهما استعجلا شيئا قبل أوانه فعوقبا بحرمانه.
ثانيا: إن للحب مرآة لا يُرى من خلالها إلا كلُ جميلٍ؛ لذلك كان لازما على كل طرفٍ في فترة الخِطبة أن يتعرف على الآخر معرفةً تجعله على بصيرةٍ من أمره قبل أن يرشفا من نهر الحب.
ثالثا: الحب ليس عصا سحريةً تزيل الخلاف والمشكلات والنزاع في غمضة عينٍ، وتجعل الأجواء يسودها المودة والمحبة على الدوام، بل سرعان ما يتبخر الحب من لهيب الصدام والخلاف، ولا يبقى إلا العقل، والحكمة التي تُنهي النزاع بودٍ وسلامٍ.
ثالثا: عدم أخذ الوقت الكافي لمعرفة كل منهما الآخر في فترة الخِطبة في عدة جوانب قبل أن يصل الحب إلى قلبيهما، وذلك من خلال ما يأتي:
*مدى التدين: من حيث الحفاظ على الصلاة والأركان والعبادات، مدى الالتزام الظاهر لدى كل منهما.
*الطباع: هل اللين، الأخذ بمبدأ الشورى، تحمل المسئولية، حب النظافة والترتيب؟
أم الغلظة وحدة الطبع، والاعتمادية، والنرجسية، والفوضوية؟
*الخلق: هل الكرم، البر بالوالدين ،التسامح والعطف والشفقة والرحمة، وصل صلة الرحم؟
أم الشح، والعقوق، والجفاء، وعدم العفو عن الزلات، وقطع الرحم؟
*الفكر والاهتمامات: هل يحب أن يقرأ، يتطلع للمستجدات، يواكب الأحداث، عالي الهمة؟
أم يضيِّع وقته على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يرغب في تطوير ذاته، وليس طموحا؟
وكذلك المرأة، هل تهتم بتعلم إعداد طعام جيد؟
هل تهتم بما من شأن الأنثى أن تهتم به، إضافة إلى اهتمامها بتكوين أسرة آمنة بالاستعداد لذلك من خلال دورات تدربية وغيرها؟
أم أنها تقضي وقتها على مواقع التواصل وفي محادثات الهاتف ولا تدرك عن مسئوليتها شيئا؟
*المستوى الإجتماعى: المؤهل التعليمي _ المسكن _ البلدة _ العائلة _ الحياة المادية.
فلو عَلِم كلٌ منهما أن لدى الآخر من ذلك مستوى مقبول لديه ، أو وجد أحدهم عيبا يمكن للآخر تقبله أو تجازوه؛ لسرعان ما تدراكا الخلاف بعد زواجهما بحكمةٍ، وعقلٍ راجحٍ، ولم يصل الأمر بهما إلى الانفصال.
✍️ آمال عمر
"فراشة الصعيد "
ليسانس لغة عربية ودراسات إسلامية جامعة الأزهر
معلمة لغة عربية، وتربية إسلامية، وقيم.
كاتبة وشاعرة
مصر 🇪🇬
تعليقات
إرسال تعليق