الِاسْتِسْلَامِ! لَقَدْ أَتَى الْخَرِيف، فَهَلْ تَغْضَبْ الْأَوْرَاق يَوْمًا عَلَى أَغْصَانِهَا لِأَنَّهَا اصْفَرَّتْ وَبِهِتت؟ إلَّا يَشْتَاقُونَ إلَى الرَّبِيعِ الَّذِي يَنْتَظِرُهُ بِفَارِغِ الصَّبْرِ؟ إلَّا يَتَمَسَّكُونَ بِكُلِّ قُلُوبِهِمُ بِالشَّوْق إلَى الْمَوْسِمِ الَّذِي سِيبَعَثُون فِيهِ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعُوا فِيهَا؟ أَخْبَرَنِى، هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَغْضَبَ مِنْ شَجَرَةٍ الْأَوْرَاق؟ لَوْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَغْضَبَ، هَلْ سَيُطَفو عَلَى أَغْصَانِ نَفْسِ الشَّجَرَةِ مَرَّةً أُخْرَى؟ الْوَرَقَةِ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْحَيَاةِ هِيَ هَكَذَا... لَا يُمْكِنُ الْإِسَاءَة إلَيْهَا. لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْقَى مُسْتَاء. لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْضَبَ. لَا يُمْكِنُ لِشَجَرَة الْحَيَاةِ أَنْ تَحْتَوِي عَلَى ضَغِينَة أَوْ كَرَاهِيَةَ، بَلْ سَتَبْث حَيَاةً جَدِيدَةً فِي أَلْوَانِهَا الْبَاهِتَة. لِأَنّ فَرَشَاه الْحَيَاةَ لَيْسَتْ فِي وَهْمِ الْعَالِمُ الَّذِي تُسَمِّيهِ حَيَاة، حَتَّى تَتَمَكَّنَ مِنْ احْتِضَان هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْكَاذِبَة! حَتَّى لَوْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِك أَسْوَد، سَيَظْهَرُ لَك الْأَبْيَضِ؛ وَلَوْ كَانَ سُمًّا لِدَلْك عَلَى عِلَاجِ لِمُشَاكَلَك؛ حَتَّى لَوْ اقْتَرَبَ مِنْك الْعَقْرَب، فَسَوْف يَظْهَرُ لَك الْحِمَارَ الَّذِي سِينَقذك مِنْ هَذِهِ الصَّحْرَاءِ؛ إذَا كُنْت تُرِيدُ أَنْ تَرَى حَتَّى النُّسُور وَالْغِرْبَان، فَإِنْ الْعَنْدَلِيب يَهْبِطُ عَلَى الْوَرْدَة. هَذَا الْعَالَمِ، الَّذِي تُسَمِّيهِ الْحَيَاة، يُشِير إلَيْك بِمِرْاة لِيَخْدعك. مَا هِيَ الْوَرَقَةُ الَّتِي تُسَمِّيهَا الْحَيَاةِ إذَا قُوِّضَت شَجَرَةٌ الْحَبّ بِأَطْرَافِك؟ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْكُنَ الشُّعُورِ فِي الْعَيْنِ الَّتِي لَا تَتَنَفَّسُ الْحَبِّ، فِي الْكَلِمَةِ الَّتِي لَا تَجْعَلْ الْحَبّ يَقْرَأُ، فِي الْقَلْبِ الَّذِي لَا يَقْطُرُ الْحَبَّ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَبِالنِّيَّابَة عَنْ مَنْ؟ مَاذَا بَقِيَ مِنْ ابْنِ ادَمَ؟ الِاسْتِسْلَام! كَيْف يُمْكِنُك تَرَك مَدْرَسَة قَلْبِك عِنْدَمَا لَا يَتَخَلَّى حَتَّى الضَّبُع الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ عَنْ فَرِيسَتِه؟ إذَا كَانَ مِنْ الصَّعْبِ عَلَيْك أَنَّ تَشْرَب سَمّ الشَّوكران، فَكَيْفَ تَأَمُّلٍ أَنَّ يَظْهَر قَبْر الْحَبِّ فِي أَرْضِك؟ هَلْ تَظُنَّ أَنَّ أَحْوَاض هَذَا الْبَحْرِ الْخَصْبَة سَتَزِور جَسَدِك الْقَاحِل بِكِتَابَة أَبْيَات مُقْفَيه عَلَى وَسَائِدَ الرِّيش وَالْقُصُور الْمَخمليه؟ مَا فَائِدَةُ الْحَبَّ إذَا لَمْ يَبْقَ حَيًّا فِي الْمَلَابِسِ الَّتِي تُسَمِّيهَا جَسَدًا؟ مَا فَائِدَةُ مَا تَأْكُلُهُ وَتَشْرَبُه وَتَلْبَسُه وَتُسَافِر إذَا كَانَ قَلْبُكَ لَا يَبْقَى الْحَدِيث حَيًّا؟ لِمَاذَا تَخَافِين مِنْ الْحُزْنِ إلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ؟ لِمَاذَا تَهْرُبُ مِنْ الْحَبِّ وَتَمِيلُ إلَى الأَنْجُذَاب إلَى الْإِنْسَانِ الدُّنْيَوِيِّ الَّذِي يَخْفَى دَعَارَتَه بِالقُمْصَان الَّتِي يَرْتَدِيهِا؟ هَلْ سَبَقَ لَك أَنْ تَنَاوَلَتْ رْشَفَة مِنْ الْحَبِّ ثُمَّ لَاحَظْت أَشْيَاءَ كَهَذِهِ؟ لِلتَّخَلِّي! لِمُجَرَّدِ أَنَّ عَقْرَب الدَّقَائِق تَوَقَّف خِلَال مِلْيَارَات السَّاعَات، فَهَلْ تَتَوَقَّفُ رِيح عَقْرَب الدَّقَائِق الْأُخْرَى عَنْ تَقْطِير الْوَقْتِ؟ لَوْ تَوَقَّفَتْ مِلْيَارَات السَّاعَات، أَلَنْ يَظَلّ قَلْب وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَنْبِض، وَأَنْفَاسًهَا مُتَحَرِّرَةٍ مِنْ الزَّمَنِ التَّجَاوُزي لِتَبَقيك عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؟ هَلْ الْحَبّ يَقْتُلَ نَفْسَهُ لِمُجَرَّدِ أَنَّ صُورَةَ مَنْ تُحِبُّ لَيْسَتْ مَعَك، لِأَنَّهَا صُورَةٌ شَخْصٍ اخَرَ، لِأَنَّك تُرِيدُ أَنْ تَتْرُكَهُ؟ هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّك تَحْتَرِق فِي زَوَايَا الرَّصيف حَيْثُ تَلْعَب الْحَجَلَة، أَوْ هَلْ تَعْتَقِدُ أَنَّك عَالِق فِي لَعِبٍ دُور الْقَابِلَة الْعَمْيَاء؟ هَلِ الْحُبُّ يَنْتَحِر يَوْمًا لِأَنَّك لَا تَفْهَمُهُ؟ إذَا اسْتَسْلَمَتْ، فَكَّرَ فِي الْأَمْرِ، هَلْ تُحِبُّ أَنْ تَسْتَسْلِمَ لِمُجَرَّد أَنَّك اسْتَسْلَمَتْ؟ هَذَا هُوَ الْقَدْرُ يَا عَزِيزِيّ، هَذَا هُوَ الْقَدْرُ الْمَرْءَ لَا يُولَدُ فِي الْحَبِّ، لَا يُمْكِنُ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَبِّ، هَذَا هُوَ الْقَدْرُ، أَحْيَانًا يَكُونُ تَعْذِيبًا، وَأَحْيَانًا يَكُونُ عَذَابًا، وَأَحْيَانًا يَكُونُ الْجَسَدُ الَّذِي لَمْ تَسْتَطِعْ إكْمَال الرَّاحَةُ فِيهِ. عَزِيزِيّ.. هَلْ سَبَقَ لَك أَنْ شَهِدَتْ جَرَائِمُ الْقَتْلِ الَّتِي يَرْتَكِبُهَا قَلْبِك نِيَابَةً عَنْكَ؟ هَلْ شَهِدْتَ عَيْنَيْك، أُذُنَيْك، لِسَانَك، شَفَتَيْك... كُلُّ مَا تَعْرِفُهُ، مَا تَقُولُهُ لِي، يَسْقُط وَاحِدًا تِلْوَ الْاخَرِ عَلَى الْأَرْضِ؟ وَمِنْ هُوَ الْحُكْمُ؟ مَاذَا عَنِ الْمُشْتَبَه بِهِ؟ مَاذَا عَنِ الْفَاعِلِ؟ مِنْ هُوَ الْبَرِيءُ وَمَنْ هُوَ الْمُذْنِبُ؟ أَمَا سَمِعْتَ بِهَا مِنْ قِبَلِ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ عَلَى حَبْلٍ الْمِشْنَقَة أَنْت الْمُتَّهَم، وَتُخْتَبَر، وَتَبَلَّل، وَتَخْتبي، ثُمَّ تَرَى أَوْرَاق حَيَاتَك الَّتِي تَتَبَاهَى بِهَا، قَدْ تَلَاشَتْ فِي الْهَوَاءِ الرَّقِيق. حِينَهَا يَصِل حُبُّك إلَى حَقِيقَتِهِ وَيُصْبِح حُبُّك لِحَاء عَلَى جِذْعٍ شَجَرَتُك، وَتُصْبِح أَنْت قَطَّرَهُ فِي مُوَاجَهَةِ دُود الشَّجَرَةِ الَّذِي يُرْسِلُهُ عَالَمِ الْإِنْسَانِ إلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ وَتَقِف إمَامِه.لِلتَّخَلِّي! هَيَّأ يَا رَجُلُ أَنْتَ أَيْضًا... لَنْ أَنْسَى الْأَيَّام وَدَمُوعي عِنْدَمَا فَتَحَتْ يَدَيْ لِلِاسْتِسْلَام وَصَرَخَتْ: "اللَّهُمّ أَنْزِعُهَا مِنْ قَلْبِي". أَمَل أَنَّهُ فِي يَوْمِ مِنْ الْأَيَّامِ، عِنْدَمَا اسْتَسْلَم، سَتَلْتصق صَرَخَاتي تِلْكَ بِضَمِّيرك...
بقلم الكاتبة سهير ضبع
كتابة ممتازة يا جميلتي بارك الله فيكي ووفقكي الله
ردحذف