أزهري أينما حللتِ
التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مجاز 8ماي1945الإبادة الجماعية



الكاتبة نجاة العناق 
الملخص:
لقد مثلت مجازر 8 ماي 1945 منعطفا حاسما في تاريخ النضال الوطني الجزائري فكانت بمثابة الصدمة التي تلقاها الجزائريون بعد أن عرفت حقيقة الإستعمار وكشفت عن وجهه القبيح حيث إزداد وعيهم بضرورة مواصلة الكفاح ضده، حيث كانت هذه المظاهرات دافعا قويا للشعب الجزائري وللحركة الوطنية لإعادة النظر في كيفية التعامل مع الإستعمار وأن ما اخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
الكلمات المفتاحية: مظاهرات8ماي1945، الكفاح الوطني، الإستعمار، النضال السياسي، الكفاح المسلح، المستعمر.
Abstract:
The massacres of May 8, 1945 represented a decisive turning point in the history of the Algerian national struggle. They represented the shock that the Algerians received after they learned the truth about colonialism and revealed its ugly face. Their awareness of the necessity of continuing the struggle against it increased, as these demonstrations were a strong motivation for the Algerian people and the national movement to reconsider how to Dealing with colonialism and that what was taken by force can only be recovered by force.
Keywords: May 8, 1945 demonstrations, national struggle, colonialism, political struggle, armed struggle, colonizer.
مقدمة:
مثلت مظاهرات8ماي1945 منعرجا حاسما في مسار الكفاح الوطني ضد الإستعمار ونقطة تحول فارقة في مجابهته من النضال السياسي إلى التفكير الجدي في الكفاح المسلح، حيث زادت هذه المظاهرات من تعميق جراح الجزائريين وعملت على توسيع الهوة مع المستعمر وزادت من روح الحقد والإنتقام حيث هذه الاخيرة لم تثن الجزائريين عن التجنيد لأجل تحقيق مطامحهم الوطنية في الحرية والإستقلال في ذلك اليوم التاريخي الذي كان فاتحة إنتصار العالم على النازية والفاشية.
أما الإشكالية التي تستند إليها هذه الورقة البحثية فتتمثل في: ما المقصود بمجازر 8ماي 1945 وماهي الأسباب الحقيقية التي حركت تلك المجازر؟ ماهي الأهداف التي إبتغاها النظام الإستعماري؟ وما النتائج المترتبة عن تلك المجازر؟ وعليه للإجابة عن الإشكالية مطروحة سنسير وفق المحاور الآتية:
أولا: تعريف مجازر 8 ماي 1945.
ثانيا: أيام قبل مجازر 8ماي1945
ثالثا: ظروف وأسباب مجازر شهر ماي1945.
رابعا: أهداف إرتكاب المجازر.
خامسا: نتائج مجازر شهر ماي1945.
سادسا: إنعكاسات مجازر 8ماي1945على مسار الحركة الوطنية.
1. تعريف مجازر 8 ماي 1945:
هي حرب إبادة جماعية مبرمجة ضد الشعب الجزائري الأعزل، شكلت منعطفا مفصليا في تاريخ الحركة الوطنية للإنتقال من العمل السياسي إلى الكفاح المسلح.
هي عمليات قتل إرتكبها قوات الإحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وشملت معظم أرجاء أرجاء الجزائر ومن أهم المناطق هي: سطيف، قالمة، خراطة، بعد أن قامت الشرطة الفرنسية بقمع المظاهرات فيها يوم إعلان إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
2. أيام قبل مجازر 8ماي1945
شرع الجزائريون في التظاهر في 1 ماي 1945 بمناسبة اليوم العالمي للعمال، إذ بادر حزب الشعب الجزائري بتنظيم مظاهرات عبر التراب الوطني، وكانت معظمها سلمية، فأعد العلم الجزائري وحضر الشعارات مثل تحرير مصالي - استقلال الجزائر وغيرها، شارك فيها عشرات الآلاف من الجزائريين في مختلف أنحاء الوطن في الجزائر، وهران، بجاية تلمسان، قسنطينة، مستغانم، قالمة، غليزان، سطيف باتنة، بسكرة، عين البيضاء، خنشلة، سيدي بلعباس، سوق أهراس، شرشال، مليانة، سكيكدة، واد زناتي، سعيدة، عنابة، تبسة، سور الغزلان.
عملت السلطات الاستعمارية على استفزاز المتظاهرين، فأطلقت الشرطة النار عليهم وقتلت وجرحت عددا كبيرا منهم. بالرغم من ذلك لم تتوقف المظاهرات، ففي عنابة تظاهر حوالي 500 شخص يوم 3 ماي وكانت مظاهرة خاصة لأنها تزامنت مع سقوط مدينة برلين على أيدي الحلفاء، وفي قالمة يوم 4 ماي، وفي سطيف مرة أخرى يوم 7 ماي. وهكذا كانت الأجواء مشحونة منذ الفاتح من شهر ماي، إذ كانت كل المعطيات والمؤشرات توحي بوقوع أحداث واضطرابات حسب التقارير التي قدمت من طرف الحكام المدنيين في ناحية سطيف وقالمة.
و بدأت خيوط مؤامرة جديدة تنسج في الخفاء، أدت إلى الثلاثاء الأسود يوم 8 ماي 1945، وذلك لأمرين: الأمر الأول عزم الجزائريين على تذكير فرنسا بوعودها، والأمر الثاني خوف الإدارة الفرنسية والمستوطنين من تنامي أفكار التيار الاستقلالي.
أمام رغبة والحاح الشعب الجزائري في الانفصال عن فرنسا ظهرت النوايا الحقيقية للمحتل الغاصب إذ توج الوعد الزائف بخيبة أمل ومجازر رهيبة تفنن فيها المستعمر في التنكيل بالجزائريين وشن حملة إبادة راح ضحيتها ما يناهز 45 ألف شهيد. ولا زالت إلى يومنا هذا الشواهد على همجية المحتل الذي مارس سياسة الاستعباد والإبادة جند فيها قواته البرية والبحرية والجوية.. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "جسر العواذر"، مضائق خراطة"، "شعبة الآخرة"، "كاف البومبا"، "هيليوبوليس"، "الكرمات"، "قنطرة بلخير"، منطقة وادي المعيز"... إلخ.
ستبقى عمليات الإبادة منقوشة في السجل الأسود للاستعمار إبادة لم يرحم فيها الشيخ المسن ولا الطفل الصغير ولا المرأة، فانتهكت الأعراض ونهبت الأرزاق وأشعلت الأفران خاصة في نواحي قالمة، فالتهمت النيران جثث المواطنين الأبرياء، وهذا بطلب من "أشياري" الذي جمع المستوطنين وطلب منهم الانتقام.
ولم تكتف الإدارة الاستعمارية بنتائج تلك المجزرة الوحشية، فقامت بحل الحركات والأحزاب السياسية الجزائرية وإعلان الأحكام العرفية في كافة البلاد والقاء القبض على آلاف المواطنين وإيداعهم السجون بحجة أنهم ينتمون لمنظمات محضورة، وأنهم خارجون عن القانون، فسجلت بذلك أرقاما متابينة من القتلى والجرحى والأسرى، وما أعقبها من المحاكمات التي أصدرت أحكاما بالإعدام والسجن المؤبد والنفي خارج الوطن، والحرمان من الحقوق المدنية، أضف إلى ذلك آلاف المصابين نفسيا وعقليا نتيجة عملية القمع والتعذيب والمطاردات والملاحقات.
3. ظروف وأسباب مجازر8ماي1945:
إن نمو الوعي لدى الجزائريين وتبلوره حول مبدأ الإستقلال وذلك بفعل مؤثرات الحرب العالمية الثانية وذلك عبر نقاط التي يمكن حصرها كما يأتي:
- إنهيار الجيش الفرنسي السريع أمام القوات الفرنسية، وإستسلام القيادة الفرنسية، وتحولها إلى التعاون مع هتلر.
- إصدار الحلفاء النداء الاطلسي سنة1941، حيث وعدو الشعوب المستعمرة إن وقفت مع الدول الديمقراطية، أنهم سينظرون في أمر تقرير المصير بعد الحرب. وقد ترجم البيان إلى العربية ونشر في شمال إفريقيا.
- توجيه فرحات عباس بيانا شهر فبراير1943 إلى الحلفاء، يطالب فيه بحق تقرير المصير، فأعتبره الفرنسيون خروجا عن طاعة فرنسا او مساسا بالسيادة الترابية لفرنسا وفق الجنرال ديغول.
-رفض الجزائريين لأمريه 7مارس1944، وتأسيس حركة أحباب البيان والحرية، التي إتسعت قاعدتها الشعبية بشكل كبير، فأعتبر ذلك تهديدا للوجود الفرنسي.
- الوضع السياسي الضعيف الذي أضحت عليه الأقلية الأوروبية، بفعل خيانتها لوطنها وتعاونها مع النازية والفاشية، وعزم الجنرال ديغول القيام بإصلاحات وفق ما أعلن عنه في برازافيل سنة1944.
-تصريح الجنرال ديغول في برازافيل جانفي1944 والمتضمن جعل الشعوب المستعمرة تحكم نفسها.
- سياسة القمع التي مارستها فرنسا ضد الشعب الجزائري والحركة الوطنية.
- إمتلاك الشباب الجزائري قدرة عسكرية نتيجة مشاركتهم في الحرب العالمية الثانية.
- حل الأحزاب السياسية وإعتقال زعمائها والقادة النقابيين.
- إعادة النظر في شكل التعامل مع الإستعمار وإيمان الشعب الجزائري بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
- مقاطعة الأحزاب الوطنية لإنتخابات جويلية1945 وهو ما جسد مساندة الشعب للثورة.
- إختفاء التيار الإندماجي وتلاحم الحركة الوطنية ومطالبتها بالإستقلال.
- إهتزاز مكانة فرنسا الدولية التي تتغنى بالديموقراطية وإحترام حقوق الإنسان.
- حل مختلف أحزاب الحركة الوطنية بالإظافة إلى غلق المدارس العربية.
-إصدار قيادة الحزب أوامرها للمتظاهرين بضرورة سلمية المظاهرات وأن لايحملوا معهم أي نوع من أنواع الأسلحة، لكن الإدارة الإستعمارية كانت تترصدهم، لتحدث تلك المجازر، فقد كانت على أتم الإستعداد لقمعها.
- إقدام قوات الشرطة على إستفزاز المتظاهرين حتى تتخذ ذلك ذريعة لإطلاق النار.
-تشير بعض الروايات إلى أن مسيرةمدينة سطيف إنطلقت بشكل سلمي من ناحية المسجد الجديد، وظلت على سلميتها لمسافة1000 متر، حتى وصلت إلى مقهى فرنسي، حيث حاول مفتش الشرطة لافون laffont بزيه المدني إختراق جموع المتظاهرين لينتزع منهم العلم الجزائري واللافتات المنادية بحياة الحلفاء وبسقوط الإمبريالية ، وبعد رفض المتظاهرين الإمتثال لذلك، بدأإطلاق الرصاص عليهم، حيث بدأت المجازر، حتى أن وزير الداخلية الفرنسية إعترف بأن التقارير التي وصلته أكدت بأن المتظاهرين لم تكن بهم نية عسكرة المتظاهرات،كما عمت مناطق عديدة من الوطن منها خراطة، قالمة، بجاية، وهران، سعيدة، الجزائر العاصمة وباقي المدن الجزائرية، حيث ذكر حسين آيت أحمد عن مظاهرات الجزائر العاصمة مايلي:«... إندلعت كذلك في العاصمة وإتخذت طابعت جماهيريا كثيفا،... لقد لبت العاصمة—ومن الأعماق_ نداء الحزب السلمي وخرجت كرجل واحد للمتظاهرات وتدخلت الشرطة بقوة... وأمام تدفق العمال، أطلقت النيران مخلفة سبعة قتلى وعشرات الجرحى...».
4. أهداف إرتكاب المجازر:
إن الأهداف التي إبتغاها النظام الإستعماري من إرتكاب هذه المجازر تتمثل كآتي:
- إرهاب الشعب الجزائر بقتل أكبر عدد ممكن.
- كسر الحركة الوطنية وتدمير حركة أحباب البيان والحرية.
- إخراج الاقلية الأوروبية من وضعها السياسي الضعيف، وتعبير الأوروبيين عن مكنوناتهم الثقافية والنفسية العنصرية الحاقدة على الجزائريين، لذلك يعتبر فرحات عباس أن المجازر مؤامرة كوليانية.
- تأكيد تمسكها بالجزائر أنها جزء لا يتجزأ منها.
- إسترجاع الروح المعنوية للجيش الفرنسي بعد الخسائر التي تكبدتها في الحرب العالمية الثانية.
- زرع روح التخويف والترهيب في باقي المستعمرات حتى لا تفكر في المطالبة بالإستقلال أو عمل مظاهرات، بالإضافة إلى رد الإشاعات حول قوة فرنسا الإستعمارية.
- حل مختلف الأحزاب السياسية.
- تنكر فرنسا للوعود التي أعطتها للجزائريين حول تقرير المصير.
- إقلاع الجنرال ديغول عن فكرة الإصلاح الجذري في الجزائر.
5. نتائج مجازر8ماي1945:
اما النتائج المترتبة عن هاته المجازر سنذكرها كالآتي:
- مقتل 45 ألف شهيد ومحو القرى والمداشر، وإنتشار الرعب وسط الجزائريين.
- حل حركة أحباب البيان والحرية وإعتقال فرحات عباس والإبراهيمي وإبقاء مصالي الحاج في المنفى.
- إستعادة الأقلية الأوروبية لنفوذها السياسي وعودة الأولوية لفرض الأمن، كما كان الحال قبل الح ع2.
- تشكل وعي جيل من الجزائريين في خضم هذه المجازر، وتصميمهم على تغيير وسائل الكفاح، لذلك أصبح أنصار الحل الثوري أكثر تأثيرا بعد إعادة بناء الحركة الوطنية ويقفون وراء تأسيس المنظمة الخاصة سنة 1947، كما نجد ان معظم قادة الثورة يعودون بشهاداتهم إلى مجازر 8ماي1945.
- أما جريدة " البصائر" لسان حال جمعية العلماء المسلمين فقد قدرت عدد القتلى بـ 85 ألف وذكرت الكاتبة فرانسيس ديساني" في كتابها La Paix Pour Dix Ans»: أن السفير الأمريكي في القاهرة بانكني توك" ( Pinkney Tuck أخبر رئيس الجامعة العربية عزام باشا" بأن هناك 45 ألف جزائري قتلهم الفرنسيون في مظاهرات 8 ماي 1945 ، مما أغضب الجنرال ديغول من هذا التصريح باعتبارها "قضية داخلية".
- هذه المجازر جعلت الجزائريين يدركون بأن الاستعمار الفرنسي لا يفقه لغة الحوار والتفاوض، وما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة وعليه ينبغي التحضير للعمل العسكري. وبحق كان الثامن من ماي المنعطف الحاسم في مسار الحركة الوطنية وبداية العد التنازلي لاندلاع الثورة المسلحة التي اندلعت شرارتها في الفاتح من نوفمبر 1954 ولم تخبو إلا بعد افتكاك الاستقلال كاملا غير منقوص من قبضة المستعمر الفرنسي.
- تأكد إدارة الإستعمار أن جنونها الإستعماري قد تجاوز الحدود، فحاول تمص غضب الجزائريين بالإعلان عن العفو العام سنة1946والشروع في إصلاحات وهمية قصد إمتصاص غضب الجزائريين.
- توقيف 5560 متظاهرا، حيث حكمت المحاكم العسكريةعلى99 منهم بالإعدام و64 بالأشغال الشاقة مدى الحياة و329 بالأشغال الشاقة لفترة معينة في حين برأت250 و577 بقوا من غير حكم.
- حل الأحزاب السياسية وإعتقال زعمائها والقادة النقابيين.
- إعادة النظر في شكل التعامل مع الإستعمار وإيمان الشعب الجزائري بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
- مقاطعة الأحزاب الوطنية لإنتخابات جويلية1945 وهو ما جسد مساندة الشعب للثورة.
- إختفاء التيار الإندماجي وتلاحم الحركة الوطنية ومطالبتها بالإستقلال.
- إهتزاز مكانة فرنسا الدولية التي تتغنى بالديموقراطية وإحترام حقوق الإنسان.
-حل مختلف أحزاب الحركة الوطنية بالإضافة إلى غلق المدارس العربية.
تعتيم السلطات الإستعمارية عتمت عن حقيقة أرقام الضحايا بعد نتائج التحقيق الذي قامت به اللجنة التي عينتها وقد صرحت بالتالي:
عدد الضحايا الأوروبيين حوالي103 قتيل وأكثر من 100جريح بينما عدد الضحايا الجزائريين حسبها بلغ1005 قتيل.
أخذ المدنيين وهم أحياء وحرقهم بالبنزين إظافة إلى حرق الجثث في الأفران كما حدث في منطقة قالمة.
-زادت هذه المجازر من تعميق جراح الجزائريين وعملت على توسيع الهوة مع المستعمر وزادت من روح الحقد والإنتقام.
-إستمرار عمليات القبض على الوطنيين والمناضلين، فقد بلغ عدد الموقوفين في شهر نوفمبر1945 أكثر من4650منهم3696في منطقة قسنطينة لوحدها،505 في وهران و359 في العاصمة، كما طالب المستوطنون بإلحاق أقصى العقوبات بالشعب الجزائري والإبقاء على حالة الطوارئ.
- لقد عبر أحمد توفيق المدني بعد وصوله بالقطار إلى مدينة قالمة بالقول:"... كنت أسمع من بعيد أصوات الإستغاثة والبكاء والنحيب، وأرى من بعيد سائمة أدمية غفيرة العدد تغدو وتروح مفتشه عن ملجأ، فلم تجد ملجأ من الله إلا إليه، ومن نجا منها رجلا كان او إمراة، إلا حصدته بعد ذلك مسدسات وبنادق القناصة من الأوروبيين، كانت مذبحة رهيبة فظيعة... وقد أعدموا في مدينة قالمة كل الشبان الذين كانوا يحملون الشهادات الإبتدائية، وقد جمعوهم في مكان فسيح وأمروهم بحفر أخدود طويل ثم أعدموهم بكل برودة.... وخلال أربعة أيام تمكنوا من قتل 45 ألف جزائري وجزائرية مقابل مائة وألف من الأوروبيين قتلهم من إستطاع من الجزائريين إنتقاما...، وبذلك إرتكب الفرنسيون فظاعات ترقى إلى درجة جرائم الإبادة الجماعية التي حرمها القانون الدولي الجنائي.
- إن هذه المجازر لم تثن الجزائريين عن التجنيد لأجل تحقيق مطامحهم الوطنية في الحرية والإستقلال.
6. إنعكاسات مجازر8ماي1945على مسار الحركة الوطنية:
- تأكد الحركة الوطنية من عقم النضال السياسي والتوجه نحو العمل المسلح.
-إعادة بناء الحركة الوطنية مارس1946.
-إنشاء المنظمة الخاصة15/02/1947.
- إجماع زعماء الحركة بعد محازر8ماي1945 على تغيير أسلوب التعامل مع فرنسا فأختفى التيار الإدماجي وأصبح الجميع ينادي بالإستقلال التام ونادى بعضهم بتفجير الثورة.
- لقد بعثت تشكيلات الحركة الوطنية المختلفة من جديد في محاولة منها لإحياء تطلعات الجزائريين إلى الحرية والإستقلال والتي كانت باكورتها ثورة أول نوفمبر1945.
- إصدار حزب الشعب الجزائري6/5/1945 منشورا وزعه في الجزائر العاصمة وبعض المدن والقرى وذلك بمناسبة إنتصار الحلفاء على دول المحور، دعا من خلاله إلى إقامة فعاليات كبرى بهذه المناسبة.
- حث المناضلين على رفع العلم الوطني واللافتات المعبرة عن مطالب الجزائريين التي كتب عليها:" من أجل الانعتاق «حرروا مصالي الحاج «تحيا الجزائر حرة ديموقراطية"، تسقط الإمبريالية" أطلقوا سراح المعتقلين والسجناء"، وقد كان الغرض من تنظيم هذه المسيرات هو لفت نظر الحلفاء وحكومة ديغول إلى التغيير الذي حصل في الجزائر بعد إزدياد وعي الجزائريين وقدرتهم على تقرير المصير
- لقد إستهجن بعض زعماء الحركة الوطنية السلوك الفرنسي منددين بما أقدمت عليه من مجازر في حق الجزائريين وقد شرح ذلك فرحات عباس في نداء مطول وجهه للشبيبة الجزائرية والفرنسية بالقول:".. لقد كانت مغامرة سطيف وقالمة موجهة الفظيعة ضدنا وضد أحباب البيان والحرية ضد طموحات شعبنا الشرعية... ضد الديمقراطية في الجزائر، شرع في تنفيذها بينما كان الوئام يسود العلاقات القائمة بين حركتنا وسائر التنظيمات الديموقراطية، وكان الغرض هو عزلنا وإثارة أوروبيي الجزائر والشعب الفرنسي ذاته ضد إصلاحاتنا وكان المقصود هو القضاء علينا وتنظيم الإنتخابات بدوننا وتحضير الرجوع إلى الوراء... إلى الإستعمار المطلق أنها جريمة شنعاء إرتكبتها الإدارة، وبشر بها كثير من المغرضين خاصة منهم لاستراد كربونالlestrade carbonal عامل الولاية الذباح الوصولي... فللقضاء علينا ذهبوا إلى حد إرتكاب الجريمة ضد شعب أعزل ، سلحوا وجمعوا في شكل ميليشيات عصابات من الأوغاد والرجعيين... أن ملف الثامن من مايو لم يغلق بعد.
- لقد كان موقف الشيوعيين من مظاهرات 8ماي1945 سلبيا لدرجة إتهامهم لإطارات حزب الشعب بأنهم مجرمون متمردون تسببوا في إراقة الدماء يعملون لمصلحة النازية وعملاء الإمبريالية، لهذا تنكروا لها وأسقطوا عنها صفة التحررية، حيث رأو بأنها لم تكن سوى حركة من أجل الخبز وهذا ما عبر عنه موقفهم التالي:"... لاوجود لثورة عربية بل هي مؤامرة فاشية... ولقد أشار الحزب يومها إلى مايجب فعله ليعم الأمن في الجزائر أي تزويد السكان المسلمين بالغذاء وتشديد العقاب على القتالين الهيتلريين الذين ساهموا في أحداث الثامن مايو وإعتقال المسؤولين الحقيقيين الذين كانوا بالأمس يزودون رومل بما يحتاج لمايحتاج إليه..."
- لقد شدد فرنسا الخناق على الحركة الوطنية بعد هذه المجازر حيث نقل مصالي الحاج إلى برازافيل،كما أعتقل فرحات عباس، الدكتور سعدان والبشير الإبراهيمي ولم يطلق سراحهم إلا في سنة1946م.
خاتمة:
من خلال ما تقدم توصلنا إلى النتائج التالية:
لقد كانت هذه المظاهرات دافعا قويا للشعب الجزائري وللحركة الوطنية لإعادة النظر في كيفية التعامل مع الإستعمار وأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
- قال الجنرال دوفال حاكم قسنطينة العسكري في أعقاب مجازر شهر ماي: لقد وفرت لكم السلم لمدة عشر سنين، وعليكم بعد ذلك أن تقوموا بإصلاحات.
- لقد حقق الإستعمار أهدافه بإرهاب الجزائريين وقتل الآلاف منهم وفق شهادة حلفائهم الأمريكيين، ويبدو أن الإسراف في القتل كان يبني على أسس ثقافية ونفسية مفادها أن العربي لا يحترم إلا بالقوة، فكلما قتلوا خضع العرب وهذا أمر لم يعد تحتمله الشعوب المستعمرة، التي تطورت عقولها بفعل مؤثرات الح ع2 وإخفاق الدول الإستعمارية التي أضعفتها تلك الحرب وكشفتها على حقيقتها.
- دفعت هذه المجازر الجزائريين إلى اليأس من الإستعمار وإصلاحاته المتأخرة، وبدل أن تلغي من ذهنه فكرة الحرية والإستقلال، جعلته أكثر إصرارا وعزيمة على العمل الثوري، وهو ما تجسد في تأسيس المنظمة الخاصة بقصد التحضير للثورة المسلحة وبدلا من أن تكون العشر سنوات الممتدة بين1945-1954 سنوات سلم، أصبحت بمثابة ذلك الهدوء الذي يسبق العاصفة.
- كانت مظاهرات8ماي1945 وما تبعتها من مجازر عاملا حاسما في تقوية الإتجاه الثوري في الحركة الوطنية وتوسيع الهوة بين الفرنسيين والجزائريين البذرة التي أثمرت1نوفمبر1954.
-مجازر 8ماي1945ساهمت في تعميق التوجه نحو ضرورة الكفاح المسلح.
- ساهمت مجازر 8ماي1945 في تغيير الحركة الوطنية لأسلوب نضالها وإفتتاح الشعب الجزائري صفحة جديدة في كفاحه.
هوامش البحث:
1- حسين آيت أحمد، روح الإستقلال مذكرات مكافح1942-1952م، تر: سعيد جعفر، منشورات البرزخ، مكتبة طريق العلم(دب)،2012.
2- عبد المجيد عمران النخبة الفرنسية المثقفة والثورة الجزائرية1954-1962، مطبعة دار الشهاب، باتنة، الجزائر، (د، ت)
3- عمر سعد الله، جريمة الإبادة الجماعية أثناء الإحتلال الفرنسي للجزائر، مجلة المصادر، العدد18، السداسي الثاني2008، إصدار المركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر1954، الأبيار، الجزائر.
4- العربي الزبيري، تاريخ الجزائر المعاصر، الجزء الأول، دار الحكمة للنشر، الجزائر،2004.
5- توفيق برو، جنون الإستعمار وجرائمه في الجزائر، مجلة سيرتا، العدد :6-7، السنة الرابعة رمضان 1402، جويلية 1982، منشورات معهد العلوم الاجتماعية، جامعة قسنطينة، مطبعة البعث، قسنطينة، (دت).
6- محفوظ قداش، جزائر الجزائريين تاريخ الجزائر1830-1954، تر: محمد المعراجي، منشورات ANEP,الرويبة، الجزائر،2008.
7- -عامر رخيلة المنعطف الحاسم في تاريخ الحركة الوطنية، مطبعة دارالشهاب، الجزائر،2004.
8- -محمد الطيب العلوي، مظاهر المقاومة الجزائرية، مطبعة البحث، الجزائر،2008.
9- مصطفى طلاس، الثورة الجزائرية، دار الشورى،بيروت،2004،ص76.
بالإظافة إلى مصادر مهمة:
المصادر: تقرير الجنرال تيبار- فرحات عباس: تشريح حرب-آيت أحمد: مذكرات مكافح- شهادات: بوضياف- حباشي: مسار مناضل- مشاطي: مسار مناضل- الشاذلي بن جديد:
المذكرات-علي الكافي: المذكرات- بن خدة بن يوسف: جذور اول نوفمبر1954-البشير الإبراهيمي: البصائر- أحمد محساس: الحركة الثورية في الجزائر. - الوثائق الأمريكية كما نشرها أبو قاسم سعد الله في أبحاث وأراء في تاريخ الجزائر.
مراجع بالأجنبية:
1. Mohamed Harbi,1954 la guère commence en Algèrie, imprimerie Mauguin, Blida,2009, p :17.
2. Benachenhou, l'economie algerienne entre Abdelatif l'autonomie et la dèpendance, Revue de l'économie industrielle, volume,14,4ème trimèstre,1980, p :17.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب محاربة الفيبروميالجيا

محاربة الفيبروميالجيا.pdf الكاتبة خولة بوزياني المدققة اللغوية: بشرى دلهوم إعداد وإشراف : بشرى دلهوم الناشرة مجلة إيلزا الأدبية للإناث الطبعة الأولى: 2024

حوار صحفي مع الكاتب محمد بالحياني مع مجلة إيلزا الأدبية للإناث

حوار مع الكاتب والأستاذ محمد بالحياني المقدمة: هناك كُتّاب لا يكتبون لمجرد الكتابة، بل يحاولون أن يتركوا أثرًا، أن يحركوا شيئًا في القارئ، أن يجعلوا الكلمات مرآة تعكس واقعًا أو خيالًا يحمل بصماتهم الخاصة. محمد بالحياني، أحد هؤلاء الذين اختاروا أن يكون الحرف سلاحهم، والرؤية عماد نصوصهم. في هذا الحوار، نقترب من تجربته، نغوص في أفكاره، ونكشف أسرار رحلته الأدبية. المعلومات الشخصية: الاسم: محمد بالحياني السن:27سنة البلد:الجزائر- البيض الموهبة:كاتب الحوار: س/ مرحبا بك محمد تشرفنا باستضافتك معنا اليوم بداية كيف تعرف نفسك لجمهورك ومن يتابعك دون ذكر اسمك؟  ج/في الغالب أكون متحدث سيئ عن نفسي، لكن يمكنني أن أختصر بالفعل وأقول محمد عبد الكريم بلحياني ، من ولاية البيض بالضبط بلدية المحرة ، عاشق للكتابة ورائحة الكتب ، اعمل اداري للصحة العمومية ،  انسان مهووس بتفاصيل التفاصيل ، عاشق للكتابة وما يحيط بها من حالات متناغمة من الوحدة، الجمال، والتناسق مع الطبيعة ، كان اول مؤلف لي بعنوان الخامسة صباحًا الذي شاركت به في المعرض الدولي للكتاب سيلا 23  وثاني عمل كان رواية بعنوان بروخيريا التي ش...

( الشيروبيم) بقلم الكاتبة مروة صالح السورية

( الشيروبيم) مقدمة: في مكانٍ ما على سطح وجهها النقي ارتفعت الأمواج وأغرقت جُزراً بنية تحدّها شطآن وردية هذه الجزر التي لا نبحر إليها بل تبحر بنا إلى عالم لا يعرف الحروب ولا الجراح يقال إن الملائكة لا تُرى لكن هنا... ترسل السماء نوراً يجعل الزمن يحني رأسه إجلالاً لهذه اللحظة الخالدة التي سنشاهد فيها الشيروبيم يتجلى على هيئة ابتسامة تطوي المسافة بين الغرق والنجاة وتحيي الأمل في قلب كل من يؤمن بالأساطير وبأن حياةً جديدة قد تولد بعد الغرق النص: حين تبتسم تعلو أمواج خديها فتُغرق جُزر عينيها البنيتين وتُحلّق الفلامينغو من شطآن جفنيها الورديتين تلك الجزر وشطآنها التي تنقذني كلما واجهت تيارات بحر الحياة فأمكث بها لاكتشاف أساطير حبٍ جديدة حين تبتسم وفي منتصف شفتها العلوية يبسط طائر النورس جناحيه فتتوازن خطواتي وتتلاشى انكساراتي حين تضحك تدندن ضحكاتها على أوتار عمري فتصدر سمفونية سلام تنهي حروبًا وتشفي جراحًا لا علاقة لها بها حين تضحك تنكشف ثماني لآلئ بيضاء تنثر النور في ظلمات أيامي ويولد الفجر من جديد إنها ليست مجرد حركة شفاه... إنها لحظة خلود تتوقف عندها كل الأزمنة ومن رحم هذا السكون تُولد أع...